قصة النبي يوسف

37

حلم يوسف

قصّة أولاد النبي يعقوب عليه السلام. عاش نبي الله يعقوب في أرض كنعان، في نفس الأرض الي كان أبوه متغرب فيها. وكان يوسف شاب عنده ١٧ سنة، بيساعد أبوه في رعي الغنم مع أخواته، أولاد بلهة وزلفة زوجات أَبوه التانين. وكان يوسف دائمًا بيحكي لأبوه عن أفعال أخواته السيئة. وكان يوسف أحب لأبوه يعقوب من أخواته التانيين، لأن ربنا رزق النبي يعقوب بيوسف وهو كبير في السن، فعمل النبي يعقوب ليوسف قميص ملون جميل. ولما شاف أخوات يوسف أن أَبوهم بيحب يوسف أكثر منهم، كرهوه أكثر وعاملوه بقسوة وقالوا: أبونا بيحب يوسف وأخوه أكثر مننا، أبونا ده في ضلال مبين. وفي يوم شاف يوسف حلم لما حكاه لأخواته زاد غيظهم منه أكتر. لما قال يوسف لأخواته: «أسمعوا الحلم الي شفته. أنا شفت في المنام وكأننا بنربط حزم في الحقل وقت الحصاد، وشفت حزمتي فجأة وقفت، فَجت حزمكم من حواليها وسجدتْ كلها لحزمتي». فزاد حقدهم علىَ يوسف بسبب كلامه والحلم الي شافه وقالوا: «تظن أنك ممكن تملك علينا أو نكون لك في يوم خاضعين؟» وبعدين شاف يوسف حلْم تاني حكاه لإِخْوَاته، وقَالَ لهم: «أسمعوا أنا شفت حلم تاني، أنا شفت ١١ كوكب في السماء والشمس والقمر شفتهم ليا ساجدين». وَلما حكى لأبوه الرؤيا، عاتبه النبي يعقوب وقال: «يا أبني أيه الرؤيا دي الَّلي أنت شفتها؟ بالحق أنا وأمك وأخواتك حنسجد قدامك؟» واشتعلت غيرة أخواته منه، أما النبي يعقوب فخبَى كلام يوسف في قلبه.

التآمر على حياة يوسف

وفي يوم من الأيام راح إخوات يوسف علشان يرعوا أغنام أبوهم قُرب مدينة شكيم في أرض كنعان مدينة نابلس الآن. فقال النبي يعقوب ليوسف: «أخواتك راحوا يرعو غنمي قُرب شكيم، تعالى علشان أبعتك تطمن عليهم». فقال يوسف لأبوه: «حاضر يا أبي، زي ما تأمر». فقال له النبي يعقوب: «روح اطمئن علَى إخوتك وعلى الأغنام، وارجعلي بأخبارهم». فمشى يوسف في طريقه من وادي حبرون وراح ناحية شكيم. وقرب شكيم فضل يدور علىَ أخواته، فقابله راجل وسأله: «أنت بتدور على مين؟» فرد عليه يوسف: «أنا بادور على إِخواتي. تعرف مكانهم فين؟» فجاوبه الرجل: «هم رحلوا من هنا، وأنا سمعتهم بيقولو أنهم رايحين ناحية قرية دوثان». فمشى يوسف وراهم لحد ما لقاهم في دوثان شمال مدينة شكيم. ولما شافوه جاي من بعيد عليهم، اتفقوا عليه علشان يقتلوه. وَقَالوا لبعضهم: «اهو وصل صاحب الأحلام المكين. تعالوا نقتله ونرميه في بئر جاف، ونقول أن ذئب أكله وإحنا غايبين، ونشوف هتتحقق أزاي أحلامه.» ولما سمع كلامهم أخوهم البكر رأوبين، كان عايز ينقذ يوسف من ايدين أخواته التانين، ويشوف ازاي يقدر يخلصه ويرجعه لأبوه بسلام. فقال: «ما تقتلوش يوسف ولا تسفكوا دمه، لكن ارموه في البئر يمكن حد يلاقيه وياخده بعيد لو كنتم ناويين». فلما وصل يوسف عند أخواته، قلعوه قميص الملون. وأخذوا يوسف ورموه في بئر جاف.

يوسف يباع لتجار الإِسماعيليين

وبعدين قعدوا ياكلوا، ومكانش معهم رأوبين. فشافوا قافلة بتقرب، فيها تجار من العرب الإِسماعيليين، وجمالهم بالتوابل والصمغ متحملين، وهُم في طريقِهم من جلعاد أو أرض الأردن على مصر رايحين. فقال يهوذا لإخوته: «أيه الفائدة لو أحنا سفكنا دم أخونا وبقينا قاتلين؟ هو برضه أخونا من لحمنا ودمنا، فتعالوا نبيعه للتجار الإِسماعيليين بدل ما تقتلوه.» فوافق على رأيه أخواته التانين. ولما قربت منهم قافلة التجار الإِسماعيليين، سحبوا يوسف من البئر وباعوه بعشرين قطعة فضة، فأخده التجار الإسماعيلين معاهم ومشوا في طريقهم على مصر رايحين. ولما رجع رأوبين علشان يخلص يوسف من البئر، لقاه مش موجود، فقطع هدومه وهو مكروب حزين. ورجع لأخواته وقالهم: «الولد مش موجود في البئر، هأعمل أيه أنا دلوقت مع أبويا ولا اروح على فين؟» فأخدوا قميص يوسف الملون، وذبحوا جدي وغمسوا القميص في الدم. وأخذوا القميص المغموس في الدم لأبوهم وقالوا: «يا آبانا، لقينا القميص ده. فشوف واتأكد لو ده قميص أبنك؟» فتحقق النبي يعقوب وقال: «ده قميص أبني! يا ويلي، الذئب افترس أبني يوسف المسكين». فَشق النبي يعقوب هدومه، ولبس ثوب خشن قديم وفضل يبكي على ابنه زمن طويل لحد ما ابيضت عينيه من الحزن. ولما قام جميع ولاده علشان يعزوه رفض يقبل العزاء منهم، وقال لهم: «أنا حافضل لحد ما أموت على ابني حزين». وفضل يبكي بحسرة على يوسف. ولما وصل لمصر التجار الإِسماعيليين باعوا يوسف لفوطيفار، رئيس حرس فرعون مصر.

38

يهوذا يتزوج ابنت شوع

وبعد ما تخلص إخوات يوسف منه وباعوه للتجار الإسماعيليين، اللي باعوه لفوطيفار رئيس حرس فرعون مصر. حصل بعدها أن يهوذا أبن النبي يعقوب فارق أخواته ورحل علشان يعيش عند واحد صاحبه كنعاني أسمه حيرة اللي كان بيعيش في قرية عدلام القريبة من حبرون. وهناك شاف يهوذا بنت رجل من الكنعانيين أسمه شوع، فاتجوزها وعاش معاها. فحملت زوجة يهوذا وخلفت له ولد سماه عيرا. وبعدها حملت مرة تانية وخلفت له ولد فسماه أُونان. وبعدها حَمَلت مرة تالتة وولدت في قرية كزيب ولد وسمته شيلة. ولما كبر عيرا أبن يهوذا البكر جوزه بنت أسمها ثامار. لكن عيرا بكر يهوذا كان بيعمل الشر قدام ربنا، فقضَى الله بموته. فقال يهوذا لأونان أبنه الثاني: «ادخل على زوجة أخوك بحسب عاداتنا واتجوزها علشان يكون لأخوك نسل منها». وعرف أونان أن النسل مش هيتنسب إليه، فكان بيمنع نفسه عنها، علشان نسله مايبقاش لأخوه. فساءت فعلة أونان قدام ربنا فقضى بموته هو كمان. فقال يهوذا لثامار أرملة ولاده: «أفضلي أرملةٌ في بيت أَبـوكي لحد ما يكبر شيلة ابني واخليه يتجوزك». وكان يهوذا وصاها بالوصية دي لأنه خاف أن ابنه الصغير يموت هو كمان زي ما مات أخوته قبل منه. فمشت ثامار وقعدت تستنى في بيت أَبوها.

يهوذا وثامار

ومرت الأيام وماتت بنت شوع زوجة يهوذا. وبعد العزا والحداد راح يهوذا على قرية تمنة علشان يتابع العمال وهم بيجزوا صوف غنمه، وكان معاه حيرة صاحبه العدلامي. فقالوا لثامار أن حماها جاي في الطريق لتمنة علشان يجز صوف غنمه. فخلعت هدوم حدادها، وغطت وشها بالحجاب وقعدت عند مدخل قرية عينايم اللي على طريق تمنة، لأنها عرفت أن يهوذا خائف على أبنه ومش هيخليه يتجوزها. فلما عدىَ عليها يهوذا في الطريق وشافها مغطية وشها، ظن أنها من عاهرات معابد الكنعانيين. فمعرفهاش ومال لجانب الطريق ناحيتها وقال لها: «تعالي اعاشرك»، فقالت له: «تديني أيه علشان تعاشرني؟» وما كشفتش وشها. فيهوذا قالها: «حبعت لك جدي من غنمي». فقالت: «حتديني أيه رهن لحد ما تبعث الحاجات الي وعدت بيها؟» فسأَلها: «رهن أيه اللي تطلبيه؟» فجاوبته: «خاتمك وعمتك وعصايتك». فعطها كل الي طلبته، فحملت منه بعد ما دخل بها وعاشرها. فقامت ورجعت لبيتها وخلعت الحجاب من على وشها ورجعت لبست هدوم حدادها. ولما بعت يهوذا الجدي مع صاحبه حيرة العدلامي علشان يرَّجع الرهن ملقاش أثر لها. فسأل أهل المكان عنها: «فين العاهرة الي كانت قاعده على الطريق في عينايم ؟» فقالوا: «مفيش عاهرة كانت قاعده في المكان هنا». فرجع حيرة ليهوذا وقال له: «أنا دورت ومالقتهاش، أهل القرية قالوا: مفيش عاهرة كانت قاعده هنا». فرد عليه يهوذا: «خلاص طيب، خليها تحتفظ هي بالحاجات الي عندها، فأنا مش عايز الناس تضحك عليا. وأنا بعت معاك الجدي زي ما اتفقت معاها لكن أنت دورت ومفيش أثر لها».

مولد فارص وزارح

وبعد مرور ثلاث شهور قالوا ليهوذا: «ألحق، ثامار زوجة ولادك زنت وحبلت من زناها». فقال لهم يهوذا: «هاتوها وأحرقوها». ولما خرجوها علشان يحرقوها بعتت ليهوذا حماها وقالت له: «أنا حبلى من صاحب الحاجات دي. بص كويس في الخاتم والعْمَّة والعصايا يمكن تعرف مين صاحبها.» فاتعرف يهوذا على حاجته وقال: «هي على حق وأصدق مني، لأنها كانت عايزة تحفظ أسم زوجها حسب الشريعة، وانا اللي خلفت وعدي ورفضت أجوزها من شيلة ابني». ومدخلش عليها يهوذا بعدها ولا عاشرها. ولما جه معاد ولادتها كان فيه توأمين فِي بطنها. وفي وقت ولادتها واحد من التوأمين خرج ايده فربطت الموَلده حوليها خيط أحمر، وقالت: «ده هو خرج الأول». لكنه سحب ايده فخرج أخوه، فقالت: «أزاي اقتحمت كده على أخوك؟» علشان كده سموه فارص. ومعناه المقتحم. وبعدها خرج أخوه الي كان ملفوف الخيط الأحمر على أيده فسموه زارح. ومعناه الأحمر. (وده نسل فارص لحد النبي داود: فارص خلف حصرون، وحصرون خلف رام، ورام خلف عميناداب، وعميناداب خلف نحشون، ونحشون خلف سلمون، وسلمون خلف بوعز، وبوعز خلف عوبيد، وعوبيد خلف يسَّى، ويسَّى خلف داود).

39

يوسف في بيت عزيز مصر

وبعد ما باع أولاد النبي يعقوب أخوهم يوسف للتجار الإسماعليين، اشتراه منهم فُوطِيفَارَ، الي كان رئيس حرس الفرعون وواحد من معاونيه المقربين. فعاش يوسف في بيت سيده المصري، وربنا كان معاه وبينَجحه كل أعماله. وشاف مولاه فوطيفار أن يوسف مؤيد من الله وموفق في كل أفعاله. فرضَى فوطيفار على يوسف، وخلاه وكيل على بيته والوالي على كل ماله. وحلت البركة في بيت فوطيفار وفي ماله وغنمه وزرعه، لما خلَى يوسف مسئول عن بيته والوكيل على كل أعماله. ومن وقت ما بقى يوسف أمين على بيت المصري وعلى كل أعماله، ماكانش فُوطِيفَارَ بيهتم بشيء من ماله إلا الأكل الي بيأكله من شدة ثقته في يوسف وأمانته. وكان يوسف وسيم وجميل الهيئة. فوقعت في غرامه زليخة زوجة مولاه. وراودته عن نفسها، وقفلت الأبواب وقالت له: «أنا هيئتلك نفسي، تعالى وعاشرني» فرفض يوسف وقالها: «أنتي زوجة سيدي وزي ما انتي شايفه، سيدي ائتمنني على بيته وعلى كل أعماله. ومفيش حد غيره في كل البيت أعظم مني، ومفيش حاجة منعها عني إلا أنتي لأنك زوجته. فأزاي أقدر ارتكب الذنب العظيم ده واغلط قدام الله في حق سيدي؟» ففضلت تراوده وتلح عليه ويوسف معتصم بالله بيقاوم إغرائها. وحصل في مرة أن يوسف دخل البيت علشان يقوم بأعماله، وماكنش فيه حد في البيت غيرها. فَمسكته من هدومه وقالت: «أنا لك يا يوسف، تعالى وعاشرني!» فحاول يهرب منها فتعلقت بقميصه مِنْ ظهره فَساب قميصه في أيدها وجرى وهرب منها. فلما شافت أنه هرب منها بعد ما جرى وساب قميصه في أيدها، صرخت ونادت أهل بيتها: «شوفوا! العبراني اللي جابه زوجي حاول يعتدي عليا. دخل غرفتي وَراودني عن نفسي، فصرخت بأعلى صوتي. ولما صرخت بأعلى صوتي، ساب قميصه وخرج هربان من عندي». واحتفظت بقميصه جنبها لحد ما رجع للبيت فوطيفار زوجها. ولما رجع زوجها قالت على يوسف نفس الكلام : «شوف! اهو العبد العبراني الي أنت جبته لبيتي. دخل عليا غرفتي وراودني عن نفسي. ولما لقاني صرخت بأعلى صوتي، ساب قميصه وخرج هربان من عندي».

يوسف في السجن

فلما سمع فوطيفار عزيز مصر كلامها وازاي كان يوسف بيعاملها، غضب جدًا. فأمر بالقبض على يوسف ورموه في السجن اللي كان أسرى ٱلملك محبوسين فيه ففضل هناك مسجون. لكن الله كان مع يوسف ورحمه زي ما وعد إسحاق وإبراهيم، فنال يوسف رضَى رئيس السجن وعامله بإحسان عظيم. حتى أن رئيس السجن خلَى يوسف مسئول عن تدبير كل أمور السجن، وخلاه مسؤول عن شئون المساجين. وكان رئيس السجن مش بيراجع يوسف في أي أمر من أمور عهدته، لأن ربنا كان بينجحه في كل اللي يعمله.

40

حلم ساقي الفرعون والخباز.

وبعد مدة قضاها يوسف في السجن، حصل أن كبير سقاة فرعون ورئيس الخبازين عملوا حاجة غلط في حق سيدهم الفرعون. فغضب الفرعون على الرجلين: كبير السقاة ورئيس الخبازين. فأمر الفرعون بحبسهم في سجن رئيس الحرس اللي كان يوسف محبوس فيه. فكلف رئيس الحرس يُوسف أنه يرعاهم مع بقية المساجين، ففضلوا في السجن فترة محبوسين. وبعدين في ليلة شاف ساقي الفرعون وخبازه حلم وهما نايمين، لكل واحد منهم تفسير يخص صاحبه في الحلمين. فلما مر عليهم يوسف الصبح لقاهم مغمومين. فسألهم: «أيه الحكاية مالي شايفكم النهارده مغمومين؟» فرد عليه كبير السقاة ورئيس الخبازين: «حلم كل واحد منا حلم ومش عارفين نفسر الحلمين». فقال لهم يُوسف: «أحكولي أنتم الأتنين، وربنا يقدرني على تفسير الحلمين.»

يوسف يفسر حلم ساقي فرعون

فحكى كبير السقاة حلمه لـيُوسف وقال: «شفت في حلمي وكأن قدامي شجرة عنب. فيها ثلاثة أغصان مزهرة، وعناقيدها مستويين. وكانت كأس الفرعون في أيدي، فأخدت من العنب وعصرته في كأس الفرعون، وناولته الكأس في أيده مليان». فقال له يوسف: «أنا أقولك على تفسيره: الأغصان الثلاثة دول معناهم ثلاثة أيام معدودين، وبعد الثلاث أيام يرضى عنك الفرعون، ويرجعك شغلك، وهتقدم لفرعون كأسه زي ما كنت متعود تعمل لما كنت كبير السقايين. ولما الخير ده يحصلك ، يا ريت تفتكرني عند الفرعون وتكلمه علشان يخرجني مِن السجن. فأنا مارتكبتش جريمة اتعاقب عليها ، وفي الأصل هم اللي أخذوني من أرض كنعان وجابوني هنا غصب عني».

يوسف يفسر حلم خباز فرعون

ولما شاف كبير الخبازين أن يُوسف فسر بالخير حلم كبير السقاين، قال له: «وأنا كمان شفت حلم في منامي. شفت فوق رأسي ثلاث قفف فيهم عيش. وكان في القفة الي فوق كل أنواع الأكل اللي بنخبزه للفرعون. لكن الطيور كانت بتأكل منها وهم على رأسي محطوطين.» فقال له يُوسف: «أنا اقولك على تفسيره: أما الثلاث قفف دول فمعناهم ثلاثة أيام معدودين. بعد الثلاثة أيام هيقطع فرعون رأسك ويعلقك على خشبة فتأكل الطيور من لحمك». ووافق اليوم الثالث يوم الإحتفال بميلاد الفرعون، فعمل فرعون وليمة لأعوانه المقربين. وخرَّج كبير السقاة ورئيس الخبازين من السجن في حضور المسئولين. ورد الفرعون كبير السقاة لشغله، فقدم لفرعون الكأس بتاعه في أيده زي ما فسر له يوسف الحلم. وأمر الفرعون بإعدام كبير الخبازين وعلقه على خشبة، بالظبط زي ما فسر لهم يُوسف الحلمين. اما رئيس السقاين فنسى وصية يوسف، ففضل يوسف في السجن محبوس سنين.

41

حلم الفرعون

وبعد مرور سنتين شاف فرعون حلم، وكأنه واقف على ضفة نهر النيل وشاف سبع بقرات سُمان اجسامها قوية طلعت من النهر ترعَى في عشب البُستان. وبعدها طلعت من النهر سبع بقرات عجاف اجسامها ضعيفة، ووقفت جنب البقرات السُمان الي بترعى على الضفة في البُستان. فأكلت البقرات العجاف السبع بقرات السمان، بعدها صحى الفرعون من النوم. ونام الفرعون مرة تانية فحلم حلم تاني، وشاف في الحلم سبع سنبلات خضرا مزهرة نبتت من غصن واحد. ومن وراها شاف سبع سنبلات ناشفين ومن صهد ريح شرقية محروقين. فأكلت السبع سنبلات الناشفة السبع سنبلات الخضرا. بعدها فاق فرعون من نومه وعرف أن اللي شافه كان حلم. والصبح كان الفرعون مغموم ومضطرب فبعت واستدعَى جميع السحرة والحكماء وحكى لهم على حلمه لكن مفيش حد منهم عرف تفسير للحلمين.

بعدها قال رئيس السقاة للفرعون: «النهارده افتكرت أني مذنب، لأني نسيت الشاب اللي كان معانا في السجن من سنتين. لأن لما غضب مولاي الفرعون علينا وحطني في سجن رئيس الحرس أنا وكبير الخبازين. في الليلة دي شاف كل واحد فينا حلم. وكان لكل حلم معناه الخاص لكل واحد فينا أحنا الأتنين. وكان في السجن معنا شاب من العبرانيين، كان عبد عند رئيس الحرس. فحكيناله، وهو فسر لنا معنَى الحلمين. وفعلاً أتحقق زي ما فسر لنا الحلمين. فردني مولاي فرعون لشغلي وأعدم كبير الْخبازين».

فأمر الفرعون جنوده أنهم يجيبوا يوسف عنده بسرعه، فبسرعة راحوا وجابوا يوسف من السجن بعد ما حلقوا شعر راسه وذقنه ولبسوه هدوم جديدة، وجابوه قدام الفرعون. فقال فرعون ليوسف: «أنا شفت حلم ومفيش حد عرف يفسره، وأنا سمعت أنك بتعرف تفسر الأحلام.» فرد عليه يوسف وقال: «الفضل مش ليا أنا، لكن القادر على تفسير حلمك هو رب العالمين».

فقال فرعون ليوسف: شفت نفسي في الحلم وكأني واقف عند نهر النيل. ولقيت سبع بقرات سمان أجسامها قوية، طالعة من النهر وبترعى في بُستان. وراها طلعت سبع بقرات تانين عجاف أجسامها ضعيفة، ماشفتش في كل أرض مصر زيها ولا في بشاعة شكلها. فأكلت البقرات العجاف السبع بقرات السمان كلها. حتى بعد ما بلعتها فضلت على بشاعتها. وصحيت أنا من النوم ساعتها. بعدها نمت مرة تانيه وشفت سبع سنبلات خضرا زاهية ومليانة ومن غصن واحد خرج نباتها. وشفت وراها سبع سنبلات تانية ناشفه ومحروقة من صهد ريح شرقية. فبلعت السبع سنبلات الناشفة السبع سنبلات الخضرا وأكلتها. وأنا حكيت الأحلام للسحرة لكن مفيش حد منهم عرف تفسير الحلمين.»

يوسف يفسر أحلام فرعون

فقال النبي يوسف لفرعون: «التفسير واحد للحلمين، وفي المعنى متفقين، وربنا عَرَف للفرعون مشيئته واللي هيعمله في الحلمين. السبع بقرات السمان والسبع سنبلات الخضر تعبير عن رخاء يدوم سبع سنين، وهنا بيتفق الحلمين. فالسبع بقرات العجاف والسبع سنبلات الناشفين تعبير عن جوع يضرب في الأرض سبع سنين. ده تفسير الحلمين وبلاغ لفرعون بمشيئة رب العالمين واللي هيعمله في الحلمين. فيه سبع سنين رخاء عظيم على كل أرض مصر جايين. بعدها تيجي سبع سنين ناشفين، تهلك المجاعة فيها الأرض، وينسى فيها الناس رخاء دام عليهم سنين. فتُعم الشدة وينسى الناس الرخاء نتيجة مجاعة تدوم عليهم سنين. ولأن مشيئة الله نافذة وقريب هتكون، كان الغرض من تكرار المعنى في الحلمين.

ودلوقت يكون أفضل لو أن الفرعون يختار حد يوليه تدبير أمور البلاد من أهل البصيرة والحكمة. ويعين على كل أرض مصر وكلاء، يجمعوا من الناس بأمر الفرعون خمس حصاد زرعهم في سنوات الرخاء. ويجمع الوكلاء كل الي جمعوه من حصاد سنوات الرخاء، ويخزنوه في المدن بأمر الفرعون تحت حراسة ويحفظوه خزين للناس وقت حلول سنوات البلاء. فيكون تموين للشعب متوفر في سبع سنين المجاعة اللي هتضرب البلاد فميهلكش الناس من الجوع.»

النبي يوسف حاكم مصر

فرضَى الفرعون والمعاونين بتوعه بمشورة النبي يوسف. وقال فرعون لمعاونيه: «حنلاقي فين رجل زي ده فيه من روح الله؟» بعدها قال فرعون للنبي يوسف: «إن كان الله وهبك المعرفة، فمش هيكون لك نظير في البصيرة والحكمة. لذلك أنا عينتك والي على بيتي، وكل الشعب يخضع لأوامرك، ومش هيكون حد أعظم سلطة منك إلا أنا وتيجي أنت بعد مني. ومن دلوقت أنت الوالي على كل أرض مصر كمان». وخلع الفرعون خاتم المُلك من أيده ولبسه للنبي يوسف، وكمان لبسوه هدوم ملكية، ولبسه عقد من الذهب حوالين رقبته. بعدها ركبه في عربيته الملكية الثانية وخلى منادي يجري قدامه، وينادي في الناس بالركوع والخضوع. وبكده عين الفرعون النبي يوسف والي على كل أرض مصر. وقال فرعون للنبي يوسف: «بأمري أنا الفرعون. مفيش حد يتصرف في حاجة بدون أذنك.»

وسمى فرعون النبي يوسف صفنات فعنيح (واللي معناه الحافظ للحياة)، وجوزه أَسنات بنت فوطي فارع كاهن مدينة أون، وأصبح النبي يوسف بالفعل والي على كل أرض مصر.

سبع سنوات الخير

وبعد ما الفرعون عين يوسف والي على مصر، خرج النبي يوسف من عند الفرعون وطاف في مصر كلها. وكان عمر النبي يوسف ثلاثين سنة لما بدأ في خدمة فرعون مصر.

وجت سبع سنين الرخاء فأنبتت الأرض حصاد كثير من الثمار والغلة. فجمع النبي يوسف الي حصدوه في سبع سنين الرخاء من أرض مصر وفي المدن خزنها، وحفظ حولين كل مدينة تموينها من المحاصيل. فأدخر النبي يوسف خزين غلال زي رمل البحر فاقت العدد من ضخامتها، لحد ما وقفوا عن عدها من عظمة وفرتها!

أبناء يوسف

وقبل حلول سنوات المجاعة، رزق ربنا النبي يوسف من زوجته بنت كاهن مدينة أون بولدين. فسمى النبي يوسف أبنه البكر مَنَسَّى، وقال: «لأن ربنا نساني كل شقايا وبُعدي عن بيت أبي». أَمَّا التاني فَسماه أفرايم واللي معناه (المثمر اضعاف) وَقال: «لأن الله رزقني بالذرية فِي الأرض اللي كان فيها محنتي».

بداية سبع سنوات الجوع

ومرت أيام الرخاء الَّلي عَم أرض مصر بعد ما دام سبع سنين وحلت سبع سنين المجاعة زي ما فسر النبي يوسف. فحصلت مجاعة في جميع البلاد، لكن القمح كان متوفر في أرض المصريين. فلما بدأت المجاعة تتسلل لأرض مصر، وصرخ الناس لفرعون علشان يديلهم القمح، قالهم الفرعون: «روحوا ليوسف، واسمعوا كلامه في كل اللي يأمركم به». ففتح النبي يوسف كل مخازن الغلال وباع القمح للمصريين. فنزل على مصر أهل البلاد التانية المتضررين، وجم للنبي يوسف علشان يشتروا القمح من أرض المصريين.

42

إخوات النبي يوسف في مصر

ولما عرف النبي يعقوب أن القمح متوفر في أرض المصريين. قَالَ لأولاده: «مالكم كده واقفين بتبصوا لبعض، أيه مستنيين؟ أنا عرفت أن القمح متوفر في أرض المصرين، فانزلوا على مصر وأشتروا لنا قمح علشان نعيش بدل ما نموت من الجوع». فنزل ١٠ من أولاد النبي يعقوب علشان يشتروا قمح من أرض المصريين، لأن المجاعة كانت ضربت في أرض الكنعانين. أما بنيامين أخو يوسف فخاف النبي يعقوب أن يصيبه أذىَ ورفض يبعته مع أخواته التانيين.

لقاء النبي يوسف مع إخوته

وَكان النبي يوسف الوالي على أرض مصر، وكان هو اللي بيتولىَ الإشراف على بيع القمح. فَجُم إخوات يوسف ودخلوا عليه وسجدوا قدامه. وأول يوسف ما شاف أخواته عرفهم، لكنه عمل نفسه ميعرفهمش، وكلمهم بقسوة. وسألهم: «أنتم منين جايين؟» فقالوا: «عايزين نشتري قمح وأحنا جايين من أرض الكنعانيين».

النبي يوسف يستجوب إخوته

وافتكر النبي يوسف الرؤيا اللي شافها عنهم، فقال لهم: «أنتم جواسيس وجايين تتجسسوا على أرضنا» فقالوا: «لا يا سيدنا، أحنا عبيدك وجئنا علشان نشتري القمح من عندكم. وأحنا أخوات ولاد رجل واحد، أحنا شرفاء، وماجئناش لأرضكم علشان نتجسس عليكم.» لكن يوسف قال لهم: «لا، أنتم جايين علشان تتجسسوا على بلادنا». فقال له أخواته: عبيدك أتناشر أخ، ولاد رجل واحد ساكن في أرض كنعان. احنا ١٠ وعندنا كمان أخين، واحد فيهم هو أصغر واحد فينا وهو موجود مع أبونا، والثاني مات من سنين.» لكن النبي يوسف قال لهم: «لا، زي ما قلت لكم، أنتم جواسيس مستكشفين. أقسم أنكم مش هتخرجوا من هنا لحد ما تجيبولي أخوكم الصغير، أبعتوا واحد منكم يجيبه، أما بقيتكم ففي السجن هيفضلوا محبوسين لحد ما تثبتوا صحة كلامكم إن كنتم صادقين. وإن مانفذتوش كلامي وجبتم اخوكم الصغير، فأنتم جواسيس وكدابين». وبعدين أمر يوسف أنهم يتحجزوا كلهم في السجن، ففضلوا ثلاث أيام محبوسين.

وفي اليوم الثالث قال لهم: «أنا باتقي ربنا فيكم، فأحسن لكم تعملوا زي ما باقول لكم علشان تنجوا بحياتكم. واحد منكم يفضل هنا في السجن، ويرجع بقيتكم بالقمح لبيوتكم والأهالي المحتاجين. وبعدين تجيبولي أخوكم الصغير وانتم راجعين، وإلا أعدمتكم لو كنتم كذابين». فاتفقوا معاه أنهم يجيبوله بينيامين. وقال أخوات يوسف لبعض: «ده أكيد عقاب رب العالمين لأننا أذنبنا في حق أخونا، لأنه أسترحمنا لكن أحنا ماسمعناش له وكنا عليه قاسيين، علشان كده وقعنا في شر اعمال الظالمين». فقال رأوبين بكر النبي يعقوب: «أَنا قلتلكم ماتقتلوش يوسف فمسمعتوش كلامي. وأهو أحنا دلوقت بندفع ثمن اللي عملناه معاه». وفضلوا يتكلموا من غير ما ياخدوا بالهم أن يوسف فاهم كلامهم، لأنه كان بيكلمهم عن طريق مترجمين. فبَعد عنهم وبكَى وهو حزين. وبعدين رجع لهم تاني وأخذ شمعون وأمر الخدم أنهم يربطوه قدامَ عينين أخواته التانيين.

رجوع أخوات يوسف لأبوهم النبي يعقوب

بعدها أمر النبي يوسف خدمه بأنهم يملوا كياس أخواته قمح. وأمرهم كمان أنهم يرجعوا فضة كل واحد منهم للكيس بتاعه ، وكمان يدوهم أكل للطريق. فعمل الخدم زي ما أمرهم النبي يوسف. فحَمّل أخوات يوسف حميرهم بالقمح ورحلوا راجعين لأهلهم في أرض الكنعانيين. ولما وقفوا في الطريق علشان يناموا فتح واحد منهم الكيس بتاعه علشان يعلف حماره، فشاف كيس فضته. فقال لإِخواته: «بصوا، دول رجعولي فضتي، أنا لقيتها في كيس القمح بتاعي.» ففزعوا وبصوا لبعض وهم مرعوبين: وقالوا «أيه الي بيعمله فينا ربنا؟»

ولما رجعوا لأبوهم في أرض الكنعانين حكوا له الي حصل معاهم وقالوا: «يا أبونا، الرجل المسئول عن شئون مصر كلمنا بقسوة، وأتهمنا أننا جئنا علشان نتجسس على بلادهم. فقلنا له أننا شرفاء ومش جواسيس. وأننا أتناشر أخ ولاد رجل واحد، وجينا نشتري القمح أحنا العشرة ، وقولنا له أن عندنا أخ مات من سنين ، وأخ تاني هو أصغرُ واحد فينا موجود عند أبـونا في أرضِ الكنعانَين.» فقال لنا الرجل المسئول عن شئون بلاد المصريين: «مش هتخرجوا من هنا إلا لما تجيبولي أخوكم الصغير. واحد فيكم هيفضل هنا عندي، أما بقيتكم فيرجعوا بالقمح لأهلكم، وترجعولي بأخوكم الصغير، وبكده تثبتوا صحة كلامكم وأنكم شرفاء ومش كذابين، ساعتها اسيب أخوكم وتتاجروا في أرضنا وأنتم مطمئنين.» وكان النبي يعقوب معهم لما فتحوا أكياسهم. ولما شافوا فضتهم زاد خوفهم.

فقال لهم أبوهم النبي يعقوب: «حرمتوني من يوسف وشمعون ودلوقت كمان عايزين تاخذوا مني بَنْيَامِين! كل المصائب نزلت علي على راسي بسببكم». فقال له رأوبين: لو مارجعتلكش ببنيامين أقتل ولادي الأتنين. خليه في عهدتي وأنا هارجعه لك تاني. فقال النبي يعقوب لأولاده: مش هابعت معاكم أبني بينيامين. أخوه أفترسه الذئب قبلها، وهو وحده الي باقي لي من بعدها. فإن حصله حاجة وحشة في الطريق وأنتم مسافرين، يبقى موتوني بحسرتي وأنا في شيبتي».

43

الرحلة الثانية - رجوع أولاد النبي يعقوب لمصر

وكانت المجاعة يوم بعد يوم بتشتد قسوتها. فلما خلص القمح اللي اشتروه من مصر قبل كده، قال النبي يعقوب لأولاده: «أرجعوا واشتروا لنا شوية قمح كمان من أرض المصريين». فقال يهوذا لأبوه: «والي مصر حذزنا وشدد علينا وقال لنا: «مش هتشوفوا وشي إن مارجعتوش بأخوكم الصغير معاكم. فلو بعثت معنا أخونا بنيامين، نروح ونشتري قمح تاني من أرض المصريين. ولو مش هتبعت معانا بينيامين، فأحنا مش رايحين، علشان الرجل حذرنا وقال لنا: «مش هتشوفوا وشي مرة تانية لو ماجبتوش أخوكم الصغير وأنتم راجعين».

فقال النبي يعقوب لأولاده: «ليه عملتولي مشكلة وعرفتم الحاكم أن لكم أخ تاني؟» فَقالوله: «الوالي فضل يسألنا عن نفسنا وعن أهلنا، وقعد يقول لنا: هو أبوكم لسه حي؟ عندكم أخ تاني؟ فجاوبنا حسب ما كان بيسألنا. وأحنا أيه عرفنا بأنه هيقول لنا: أرجعوا بأخوكم عندي هنا؟»

فقال يهوذا لأبوه يعقوب: «أبعت معايا الولد وأسمح لنا بالسفر فمنهلكش بسبب الجوع كلنا. وأنا كفيل به، ومن ايدي تطلبه. فإن مارجعتهوش سالم لأيدك، فاللوم عليَّ طول حياتي. فلو ماكنتش أخرتنا، كان زمانا رُحنا ورجعنا مرتين.»

فقال النبي يعقوب لأولاده: «إن كان مفيش حل غير كده ، فاعملوا زي ماحقولكم: أملوا أكياسكم من أحسن محاصيل الأرض، خذوا شوية بلسم وعسل، وشوية توابل ومُر وفستق ولوز، وخذوها معكم هدية للوالي. وخذوا معكم ضعف الفضة، وترجعوا بالفضة اللي لقيتوها في أكياسكم، فيمكن كان سهو منهم. وخدوا معاكم أخوكم وقوموا أرجعوا للوالي. وربنا قادر أنه يجعل في قلب الحاكم رحمة عليكم، فيسمح لشمعون وبنيامين كمان أنهم يرجعوا معاكم. أما أنا، فإن كان ولابد أني أفقد أولادي، فانا فقدتهم.»

رجوع إخوات النبي يوسف ومعهم بنيامين إلى مصر

فأخدوا الهدايا في أكياسهم، وضعف فضتهم، وأخذوا بينيامين كمان معهم، ونزلوا على مصر، ووقفوا قدام يوسف كلهم. ولما شاف يوسف معاهم أخوه بنيامين قال لكبير خدمه: «يا كبير الخدم دخل الرجاله في البيت واذبح ذبِيحة وجهز وليمة، لأنهم على الغذاء معزومين». فعمل الخادم زي ما أمره سيده، ودخلهم البيت.

فلما دخلهم كبير الخدم في بيت يوسف وقف أخوات يوسف خائفين وقالوا لبعض: «بالتأكيد جابنا هنا بسبب الفضة اللي لقيناها في أكياسنا، وأكيد حيتهمَنا علشان يأخذنا عبيد عنده.» فتقدموا لكبير خدم يوسف وقالوا له وهم داخلين: « يا سيد أسمعنا، احنا جئنا لبلادكم في أول مرة علشان نشتري قمح من عندكم. ولكن لما وقفنا علشان نقضي ليلتنا وأحنا راجعين، فتحنا أكياسنا ولقينا فضتنا بكاملها في الكياس وأحنا رجعنا بها تاني علشان نردها لكم. وكمان جبنا معنا فضة زيادة علشان نشتري قمح لأهلنا من عندكم. ومانعرفش مين اللي حط الفضة في أكياسِنا!»

فقال لهم كبير الخدم: «أطمئنوا ماتخافوش. إلهكم وإله أبائكم وهبكم كنز في أكياسكم، وأنا وصلتني فضتكم.» بعدها خرَّج لهم أخوهم شمعون. ودخلهم كبير الخدم لبيت يوسف وقدم لهم مياه علشان يغسلوا رجليهم، وعلف علشان حميرهم. ولما عرف أخوات يوسف أنهم معزومين على الغذاء في بيت يوسف، جهزوا ٱلهدية وقعدوا وقت الظُهر منتظرين.

ولما وصل يوسف للبيت قدموا الهدايا اللي جابوها معاهم وسجدوا على الأرض قدامه. فأطمئَن على أحوالهم، وقال لهم: «كيف حال أبوكم الشيخ الي قولتولي عنه؟ هو لسه عايش وبخير؟» فَقالوا: «عبدك أبونا لسه عايش وبخير». وانحنوا مرة تانية قدامه ساجدين.

وتلفت يوسف فشاف أخوه شقيقه بنيامين، فقال لهم: «هو ده أخوكم الصغير الي حكيتولي عنه؟» وقال لبنيامين: «ربنا يبارك فيك يا أبني» وغلب يوسف الحنين لأخوه بنيامين، فخرج بسرعة وراح على غرفتهِ وبكَى كثير.

بعدها غسل وشه وخرج يأمر خدمه علشان يقدموا الطعام للضيوف المعزومين. فقدم له الخدم الطعام لوحده، ولأخوته وحدهم، وللمصريين الموجودين لوحدهم، لأنه كان مُحرم عند المصريين أنهم يأكلوا مع العبرانيين. فقَعدهم خدم يوسف في حضرته بالترتيب زي ما أمرهم، من البكري لحد الصغير. فسألوا بعضهم أزاي عرف أعمارهم وبصوا لبعضهم متعجبين. وقدم الخدم من اللي على طاولة يوسف، فقدموا لبنيامين خمس أضعاف اللي قدموه لأخوته التانيين. فأكلوا معاه وشربوا وهم مطمئنين.

44

كاس يوسف الفضة في كيس بنيامين

وبعدها ومن غير ما أخواته يعرفوا، أمر النبي يوسف كبير خدمه وقال له: «اسمع، أمْلا بالقمح أكياسهم ، ورجع لهم فضتهم وحطها في كيس القمح بتاع كل واحد منهم. وحط الكاس الفضة بتاعي فِي كيس أصغر واحد فيهم». فعمل كبير خدم يوسف زي ما أمره سيده. ولما طلع النهار صرف الخدم أخوات يوسف علشان يرجعوا لبلادهم. وقبل ما يبعدوا عن المدينة، أمر يوسف كبير خدمه وقال له: «رُّوح بسرعة وراهم، ولما تحصلهم تقول لهم: ليه رديتم بالشر على الإحسان إليكم؟ ليه سرقتم الكأس اللي سيدي بيشرب فيها وبيكشف بِها عن اللي حيحصل في المستقبل. أنتم أرتكبتم شر عظيم بعملتكم».

فلحقهم كبير الخدم وهم ماشيين، وقال لهم زي ما أمره النبي يوسف. فقال أخوات يوسف: «ليه بتقول علينا كده يا سيدنا؟ حاشا لله أننا نكون سارقينَ! وأنت شاهد أن الفضة اللي لقيناها في أكياسنا، رجعنالكم بِها تاني من أرض الكنعانيين، فإزاي ممكن تتمد ايدنا ونسرق فضة ولا ذهب من بيت سيدك؟ أحنا قدامك، واللي سرق الكاس جزاءه الموت ويكون بقيتنا لك خدامين». فقال لهم كبير الخدم: «زي ما قولتم يكون، لكن هناخذ بس اللي سرق الكأس علشان يكون عبد عندنا، أما بقيتكم فأبرياء مش مذنبين». فبسرعة نزل كل واحد فيهم الكيس بتاعه من على حماره وفتحه. فبدأ كبير الخدم يفتش في حاجتهم من كبيرهم لصغيرهم، وبعدين طلع الكاس من كيس القمح بتاع بنيامين. فلما شافوه بيطلعها من كيس بنيامين، ماتوا من الخوف وشقوا هدومهم وحملوا بضاعتهم تاني على حميرهم، ورجعوا تاني للمدينة.

وكان النبي يوسف لسه موجود في القصر، فلما دخل إخواته القصر وشافوه رموا نفسهم وسجدوا قدامه. فقال لهُم يوسف: «أنتم عملتم ذنب عظيم. أنتم مش عارفين إن اللَّه عطاني العلم وأقدر أعرف الكاس بتاعتي فين؟» فقال يهوذا رابع أبناء النبي يعقوب: «مش عارفين نقول لك أيه! أزاي ممكن نبرأ نفسنا؟ ربنا كشف الذنب اللي عملناه زمان. فإحنا واللي لقيت الكاس عنده عبيد عندك يا سيدنا». فقال لهم يوسف: «معاذ الله، فأنا هاخد بس إلا الي لقيت الكاس عنده. أما انتم فترجعوا لأبوكم سالمين».

توسل يهوذا

فقرب يهوذا يستعطف يوسف وقال: «عفوك يا سيدنا، أنت لك مكانة عظيمة زي مكانة فرعون مصر. فاسمح لي بكلمة بدون ما تغضب مني. أنت سَبق وسألتنا عن أبونا، وعن أخونا الصغير بينيامين». وأحنا قلنا: إن أبونا شيخ كبير وأن عندنا أخ صغير خلفه أبونا في شيخوخته، وهو أكتر واحد أبونا بيحبه، وبنيامين وحده اللي فضل له بعد ما مات أخوه الكبير. فَقُلت لنا: تجيبولي أخوكم الصغيرعلشان أشوفه بعيني، لو كنتم صادقين. وأحنا ردينا وقلنا: أبونا مش هريضى يسيب لنا بنيامين، فلو بعد عنه ممكن أبونا يموت من حسرته عليه. فقلت لنا: مش هتقفوا قدامي إلا لما تجيبوا أخوكم الصغير لحد عندي. فلما رجعنا لأبونا، حكينا له وعرفناه باللي حصل لنا. ولما خلص القمح اللي عندنا، أبونا قال لنا: أنزلوا مصْر اشتروا لنا شوية قمح تانيين. فقلنا لأبونا: ما نقدرش نرجع هناك ولا نقف قدام الوالي إلا ومعانا بنيامين. فأبونا فَكرنا وقال لنا: انتم عارفين، إنّ زوجتي راحيل خلفت لي ولدين. فقدت واحد منهم لما جيتم وقلتم أن الذئب أفترس أبني، ومن يومها ما شافتهوش عيني. وأنا راجل شيخ كبير وإن أخذتم مني بنيامين وحصله حاجة في الطريق أموت بحسرتي عليه. (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). وازاي دلوقت يا سيدنا نقدر نرجع من غير أخونا، وحياته مرتبطة بحياة أبونا. ده كان يموت لو شافنا من غير أخونا راجعين، وعن موته بحسرته في شيبته نكون احنا المسئولين. وأنا عاهدته واقسمت له، أني أنا كافل لأخونا بنيامين، ومن ايدي يطلبه. فلو رجعت من غير بنيامين، أكون مذنب طول حياتي قدام أبونا. ودلوقتِّ أنا عبد لك فخذني مكانه، واعفي عن بنيامين وسيبه يرجع مع إخوانه! لأني مش ممكن اقدر أرجع من غيره لأبونا، ومقدرش اتحَمل موته قدام عيني من حسرته على بنيامين».

45

النبي يوسف يعفي عن أخوته

لما سمع النبي يوسف أخوه يهوذا وهو بيتوسل له مقدرش يتمالك نفسه. فأمر بخروج كل الي كانوا عنده، ومافضلش حد معاه غير أخواته، لما كشف لهم يوسف عن نفسه. وبكَى يوسف بصوت عالي، لحد ما سمعه المصريين اللي كانوا عنده، وكمان وصل قصر الفرعون خبره. وقال النبي يوسف لإخواته: «أَنَا يوسف. حقيقي أبويا لسه حي؟». فاترعبوا وما قدروش يتكلموا ووقفوا قدامه مذهولين.

فقال لهم النبي يوسف: «تعالوا قرَبوا منّي». ولما قربوا منه قال لهم: «أنا يوسف أخوكم، اللي بعتوه زمان لتجار كانوا رايحين على مصر . ماتخافوش بسبب أنكم بعتوني وبقيت عبد في أرض مصر، مشيئة الله كانت أنه ينجي الناس من المجاعة وعلشان كده بعثني قدامكم. والمجاعة اللي ضربت الأرض من سنتين هتستمرّ خمس سنين تانيين، لا زرع فيها ولا حصاد. وربنا هو اللي بعثني قدامكم علشان ينقذ حياتكم ويحفظ نسلكم. بالحق ربنا هو اللي شاء كده مش أنتم. وهو الي خلاني كبير وزراء الفرعون ، والوالي على كل أرض المصريين. دلوقتِّ ارجعوا لأبي بسرعة وقولوا له: يوسف أبنك بيقولك: ’يا أبي، ربنا جعلني والي على كل أرض مصر، عجل وتعالى عندي. تعالى أنت وأولادك وأحفادك وهات معك بقرك وأغنامك، علشان تسكنوا في أرض جاسان شرق دلتا النيل وتكونوا مني قريبين. وأنا هاتكفل بِّكم، ، فلو ماجيتوش عندي هتهلكوا، علشان المجاعة لسه مستمرة خمس سنين تانيين. ودلوقتِّ يا أخوتي، أنتم وأخويا بنيامين شهود أني أنا هو يوسف اللي واقف قدامكم وبكلمكم! روحوا علشان تبشروا أبويا، وبلغوه عن كل العز الي أنا عايش فيه في مصر وعرفوه بعلو مكانتي. يلا عجلوا وأرجعوا بِّه هنا عندي».

وحضن يوسف أخوه الصغير، وتعلق بنيامين في رقبة يوسف وبكوا هم الإثنين. وحضن يوسف بقية أخواته وبكىَ. وبعدها تكلموا معاه وهم مطمئنين.

ولما وصل خبر لقاء يوسف مع أخواته لقصر الفرعون، ابتهج الفرعون وكل أعوانه. وقال الفرعون ليوسف: «قول لإخوتك أنهم يحملوا بضاعتهم ويسرعوا علشان يرجعوا في طريقهم لأرض الكنعانيين. ويرجعولي هنا تاني ومعاهم أبوكم وأهلكم، وأنا في أخصب أرض مصر هسكنهم، فياكلوا منها ويعيشوا مُطمئنين. يا يوسف، أنا أصدرت لك أمر بأن أخوتك يأخذوا مركبات من مصر علشان ينقلوا عليها أبوكم وأهلكم ويجوا عندي هنا كلهم. وقول لهم مش مهم لو سابوا هناك حاجة من أملاكهم، فأنا هوفر لهم من خيرات أرض مصر كل احتياجاتهم».

فعمل النبي يوسف زي ما أمره الفرعون. ووَزعَ ثياب جديدة علىَ كل واحد من أخوته، أما بنيامين فعطاه خمس اثواب وثلاث مئة قطعة من الفضّة. وكمان بعث النبي يوسف لأبوه عشر حمير متحملة من خيرات مصر، وعطالهم المركبات وعشرة حمير تانيين متحملة بالقمح والخبز علشان رحلة رجوعهم. بعدها مشاهم علشان يرجعوا في طريقهم، ووصاهم وقال لهم: «أياكم تتخانقوا في الطريق، وارجعوا مصر إن شاء الله آمنين».

فخرجوا من مصر لحد ما وصلوا لأبوهم يعقوب في أرض الكنعانيين. فبشروه وقالو له: «يا ابونا، يوسف لسه حي! وبقَى الوالي على كل أرض المصريين». لكن الخبر اذهل النبي يعقوب ومصدقش كلامهم. لكن لما سمع منهم اللي قاله يوسف، وشاف المركبات اللي بعتها لهم، انتعشت روح النبي يعقوب. وقال لهم: «دلوقت أنا صدقت أن أبني يوسف لسه حي، أنا هروح علشان اشوفه قبل ما أموت».

46

عائلة النبي يعقوب في مصر

وركب أولاد النبي يعقوب أبوهم وأولادهم وزوجاتهم على المركبات اللي بعتها لهم الفرعون، واخدوا معهم مواشيهم وأغنامهم وكل اللي امتلكوه في أرض الكنعانيين، ورحلوا من حبرون الخليل. وبعدين وقفوا في الطريق عند منطقة بئر السبع (حوالي ٤٠ كيلو متر ناحية الجنوب)، وهناك قدم النبي يعقوب أضاحي تقرباً لله رب آبائه إسحاق وإبراهيم. وفي الليلة دي أوحىَ الله للنبي يعقوب فِي الرؤيا وناداه: «يعقوب، يعقوب.» فَرد النبي يعقوب: «نعم.» فقال الله تعالىَ: «أنا هو إله آبائك فلا تخاف وادخلوا مصر إن شاء اللَّه آمنين، فأنا هأجعل منك أُمة كبيرة في أرض المصريين. وأنا هأكون معاك اهديك في طريقك وأنت نازل مصر، ومن مصر اخرَّج نسلك وارجعهم للأرض دي مرة تانية، ويوم ما تموت، يوسف ابنك هو اللي يغمض عينيك.»

ودي اسامي كل أولاد وأحفاد النبي يعقوب اللي نزلوا معاه لمصر. رأوبين بكر يعقوب وأولاده أربعه: حنوك وفلّو وحصرون وكرمي. وأولاد شمعون سته: يموئيل ويامِين وأوهد وياكين وصوحر وشأول ٱبن زوجته ٱلكنعانية. وأولاد لاوي ثلاثه: جرشون وقهات ومرارِي. وأولاد يهوذا خمسه: عير وأونان وشيلة وفارص وزارح. وكان أتنين منهم ماتوا في أرض كنعان وهم عير وأونان. وأولاد فارص أثنين: حصرون وحامول. وأولاد يساكر أربعه: تولاع وفوة ويوب وشمرون. وأولاد زبولون ثلاثه: سارد وإيلون وياحلئيل. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته ليئة المولودين في أرض آرام بالإضافة لبنته دينة، وعددهم ثلاثة وثلاثين.

أما أولاد جاد سبعه: صفيون وحجي وشوني وأصبون وعيري وأرودي وأرئيلي. وأولاد أشير أربعه: يمنة ويشوة ويشوي وبريعة، وأختهم كان اسمها سارح.، وأولاد برِيعة أثنين: حابر وملكيئيل. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زلفة الجارية اللي عطاها لابان لبنته ليئة ووهبتها للنبي يعقوب، وعددهم ١٦.

أسماء أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته راحيل أثنين: يوسف وبنيامين. واتولد ليوسف في مصر ولدين: منسى وأفرايم من زوجته أسنات بنت فوطي فارع كاهن معبد مدينة أُون. وأولاد بنيامين عشرة: بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من زوجته راحيل، وعددهم ١٤.

أولاد دان واحد: حوشيم. وأولاد نفتالي أربعه: ياحصئيل وجوني ويصر وشليم. دول كانوا أولاد وأحفاد النبي يعقوب من بلهة الجارية اللي أعطاها لابان لبنته راحيل ووهبتها للنبي يعقوب علشان يتزوجها، وعددهم سبعة.

وبكده يكون مجموع عدد اهل بيت النبي يعقوب من صُلبه، واللي نزلوا معاه مصر ٧٠.

وصول النبي يعقوب وأسرته لمصر

وقبل ما يوصل النبي يعقوب، بعت أبنه يهوذا ليوسف علشان يستقبلهم ويدلهم لمنطقة جاسان في شرق دلتا النيل (محافظة الشرقية دلوقتِّ). فجهز النبي يوسف مركبته وراح علشان يستقبلهم. ولما أتقابلوا اترمىَ يوسف في حضن أبوه وفضل يبكي. وبعدين قال النبي يعقوب ليوسف: «يوسف يا أبني، دلوقتي ممكن أموت ونفسي مطمئنة، بعدما شفتك حي قدام عيني.» بعدها قال النبي يوسف لكل أهله: «دلوقتِّ لازم ارُّوح علشان أبلغ الفرعون أنكم وصلتم. وحقول له أنكم رعاة أغنام، وأنكم جبتم معاكم أغنامكم وكل أملاككم. فلما يستدعيكم الفرعون ويسألكم: أيه حرفتكم؟ تقولوا له: ‹عبيدك رعاة أغنام ورثناها عن أبونا وأجدادنا›. ولما تردوا عليه بكده هيخليكم تسكنوا فِي منطقة جاسان أفضل أرض مصر، بعيد عن المصريين لأنهم مش بيختلطوا برعاة الأغنام.»

47

النبي يعقوب يقابل الفرعون

واختار النبي يوسف خمسة من أخواته ودخل بهم عند الفرعون وقال له: «جلالة الفرعون، أبي وأخواتي وصلوا من أرض كنعان، ومعاهم أغنامهم وكل أملاكهم، وهم دلوقت في منطقة جاسان». فسألهم الفرعون: «أيه حرفتكم؟» فَقالوا للفرعون: «عبيدك رعاة أغنام ورثناها عن أبونا وأجدادنا. واحنا جينا علشان نتغرب هنا لأن المجاعة في أرض كنعان أشتدت علينا وجفت مراعينا. فتكرم واسمح لعبيدك أننا نسكن في أرض جاسان». فقال الفرعون ليوسف: «ما دام أبوك وأخوتك وصلوا لك هنا، فأرض مصر كلها قدامك وأنت الوالي عليها. خليهم يسكنوا في جاسان لأنها أفضل أراضينا، ولو حد فيهم يقدر يشتغل فخليه يشرف على غنمي كمان».

بعدها دخَّل يوسف أبوه يعقوب وقدمه لفرعون. فدعَى النبي يعقوب لفرعون بالبركة. فسأل الفرعون النبي يعقوب: «عمرك كام سنة؟» فقال النبي يعقوب لفرعون: «سنين حياتي كلها غم وكرب، قضيت (130 مئة وثلاثين) سنة من عمري متغرب، ولكن أيام غربتي مش طويلة زي غربة أبي وأجدادي». بعدها دعَى النبي يعقوب لفرعون بالبركة مرة تانية وخرج من عنده.

وعمل النبي يوسف زي ما أمر الفرعون، وسكّن أبوه وكل أهله في جاسان أفضل أراضي مصر عند منطقة رعمسيس أو صان الحجر في شرق دلتا النيل. (محافظة الشرقية في مصر دلوقت) واتكَفّل النبي يوسف كمان بأكلهم وشربهم.

ومرت الأيام واشتدت قسوة المجاعة وخلص القمح من كل أرض مصر وأرض كنعان. فجا الناس من كل مكان للنبي يوسف علشان يشتروا القمح، فباع لهم النبي يوسف القمح وجمع كل الأموال اللي في أرض مصر وفي وأرض كنعان، وادخرها في خزينة الفرعون. وبعد ما خلص المال من الناس، جاء المصريين وقالوا للنبي يوسف: «يا والي مصر، لّيه نهلك قدام عينك؟ وفر لنا أنت طعامنا، لأن دلوقت خلصت كمان أموالنا.» فقال لهم النبي يوسف: «إن كانت خلصت أموالكم، ممكن أوفر لكم القمح مقابل مواشيكم». فَجابوا ليوسف كل اللي عندهم من مواشي وأغنام، فاخد منهم الغنم والبقر والحمير والخيل، وعطالهم قمح يكفيهم لمدة سنة.

وبعد ما خلصت السنة، جاء الناس للنبي يوسف وقالوا: «سيدنا والي مصر عارف أنه مفيش مال عندنا، وبقت عندك كل مواشينا وأغنامنا، ودلوقتِّ مفيش عندنا غير أراضينا وأجسامنا. فامنع الجوع من أنه يهلكنا وتبور أراضنا. فتملْكنا احنا وأرضنا ونبقىَ ملك الفرعون مقابل أكلنا، ووفر لنا قمح لطعامنا وبذور لزرعنا، فتنقذ حياتنا وتبعد الخراب عن أرضنا».

وبكده بعد ما باع الناس أراضيهم للنبي يوسف من شدة المجاعة مقابل أكلهم، أصبحت أراضي مصر كلها ملك الفرعون. لكن الكهنة احتفظوا بأرضهم لأن الفرعون كان بيتكفل بأكلهم. وبكده ربنا وهب للنبي يوسف الحكم على الناس وعلى أراضي مصر كلها.

وبعدين أعلن النبي يوسف لكل الشعب وقال: «من النهارده بقيتم ملك الفرعون أنتم وكل أرضكم، فخذوا بذور وأزرعوا أرضكم. وفي وقت الحصاد يكون للفرعون الخُمس من حصادكم، وتحتفظوا بِأربع أخماس لنفسكم، تخلوها طعام لكم وبِذور لِأرضكم.» فَقال الناس ليوسف: «يا والي مصر، يا ريت ترضَى عنا ونبقىَ عبيد للفرعون، وبكده تبقَى أنقذت حياتنا!» وعمل النبي يوسف قانون بين المصريين، يقضي بأنه يكون للفرعون الخمس من المحاصيل، إلا أراضي الكهنة اللي كان بيكفلهم الفرعون. وسكن النبي يعقوب وأولاده في أرض جاسان، واتملكوا فيها وكثروا وبقىَ عددهم كبير. وعاش النبي يعقوب في مصر (17 سبع عشر) سَنة لحد ما بقى عمره (147 مئة سبعة وأربعين) سنة. ولما حس النبي يعقوب بقُرب أجله، استدعَى ابنه يوسف وقال له: «إن كنت بجد بتحبني وبمعروفك تكرمني، فعاهدني أنك لأرض كنعان ترجعني، وفي مقبرة أبائي تدفني». فقال يوسف لأبوه: «حاضر، أنا هأعمل زي ما وصتني». فَقال النبي يعقوب ليوسف: «أحلف لي». فحلف له يوسف. فانحنى النبي يعقوب وسجد على طرف سريره وحمد ربنا.

48

وصية النبي يعقوب

وبعد فترة، لما عرف النبي يوسف أن أبوه مريض، أخذ أولاده منسى وَأفرايم معاه وراحو يزوروه. ولما عرف النبي يعقوب أن يوسف وأولاده وصلوا، استجمع قوته وقعد على سريره.

وقال ليوسف: «يا بني، بعدما خرجت من بيت أبي في أرض كنعان، أوحىَ لي الله القدير عند بيت لحم وباركني، وقال لي: يا يعقوب، حيكون نسلك كثير، وأمم كثيرة تخرج منك، والأرض دي أوهبها لنسلك. فمن دلوقتِّ يا يوسف، حيكون أفرايم ومنسى بالنسبة لي زي رأوبين وشمعون. وإن رزقك الله بأولاد بعدهم فيكونوا لك، ويورثو نصيبهم على اسامي أفرايم ومنسى. ومن دلوقتِّ ولادك اللي خلفتهم في مصر قبل ما نوصل عندك هنا هيكونوا ولادي أنا. للأسف يا بني، أمك راحيل ماتت بعد ولادة أخوك بنيامين، لما كنا راجعين في طريقنا من بلاد ما بين النهرين، ودفناها هناك بالقرب من بيت لحم في أرض الكنعانيين».

وكان النبي يعقوب شيخ عجوز ونظره ضعيف، فسأل يوسف: «مين اللي معاك؟» فقال يوسف لأبوه: «دول ولادي الي رزقني بهم ربنا.» فقال النبي يعقوب: «طيب قربهم عندي علشان أدعي لهم بالبركة.» فقربهم يوسف لأبوه فقَبلهم النبي يعقوب وحضنهم. وقال النبي يعقوب ليوسف: «كنت فاكر أنك مُت من سنين طويلة لحد ما فقدت الأمل أني أشوفك، لكن مشيئة الله خلتني أشوفك وأشوف كمان نسلك». فانحنَى يوسف علَى الأرض قدام أبوه.

وبعدين قَرَب النبي يوسف أبنه البكر منسى ناحية ايد أبوه اليمين، وقَدم أبنه الصغير أفرايم ناحية ايد أبوه الشْمال. لكن النبي يعقوب عَكَس ايديه وحط ايده اليمين على رأس أفْرايِمَ الصغير، وحط ايده الشمال على رأس منسَّى البكري. ودعى النبي يعقوب ليوسف واولاده بالبركة وقال:

«ربي، أنت الإله اللي عَبدك آبائي إسحاق وإبراهيم ومشوا قدامك على صراطك المستقيم.

وأنت ربي اللي كنت معايا طول حياتي، وبعثت لي ملاكك علشان يحفظني.

فيا رب الآن اسألك أنك تبارك الوَلَدين دول،

وخليهم يورثو أسمي،

وبسببهم تتخلد اسماء أبائي إسحاق وإبراهيم،

واجعل نسلهم في الأرض كثير».

فلما شاف يوسف أن أبوه حط ايده اليمين على أفرايم الصغير بدل من منسي البكري اتضايق، وحاول أنه يغير وضع أيد أبوه. وقال لأبوه: «عفوك يا أبي، لكن ده هو أبني البكري فخلي أيدك اليمين على رأسه». فاتصلبت ايد النبي يعقوب وقال ليوسف: «عارف يا أبني عارف. وأبنك البكري كمان حيكون منه شعب كبير وعظيم. لكن أخوه الصغير حيكون أعظم منه. وأمم كتيره حتخرج من نَسله.»

ودعَى لهم النبي يعقوب بالبركة مرة ثانية وقال: «هيفضل في بني يعقوب ذكركم، فكل ما يطلبوا من الله البركة يقولوا: ‹ربنا يجعلك زي أفرايم ومنسى.›» فَقدّم النبي يعقوب أفرايم أبن يوسف الصغير في بركته على منسى أبن يوسف البكري.

وبعدها قال النبي يعقوب ليوسف: «اسمع كلامي كويس، أنا حاسس أن أجلي قرب ، لكن ربنا هيكون معاك، ويرجعك للأرض اللي وعد بها آبائنا من قديم الزمان. يا يوسف، أنا وهبت لك منطقة جانب التل في أرض شكيم اللي أخذتها مِن الأموريين.»

49

النبي يعقوب يتنبأ لأولاده

وحصل أن النبي يعقوب قبل ما يموت جمع أولاده الأثني عشر وقال لهم: «اتلفوا حوليا يا أولادي علشان أنبأكم بأمور مستقبلكم ومستقبل أبنائكم. يلا قربوا يا بني إسرائيل واسمعوا لكلامي. يا رأوبين، أنت أبني البكري، اتولدت وأنا في عز قوتي، وكنت مُكرم بين أخواتك. لكنك مضطرب وتمردت على أبوك ونجست فراشه. ففقدت مكانتك الكريمة بين أخوتك. أسمع يا شمعون وأنت يا لاوِي، أنتم أدوات للعنف والقتل وسيوفكم ظالمة. وأنا بريء من الغدر اللي في خططكم ، لأنكم ارتكبتم جريمة القتل وأنتم غضبانين، وعلشان بس تتسلوا بتكسروا مفاصل الثيران. فاللعنة عليكم، وبين قبائل بني إسرائيل هاشتت ذريتكم. أما أنتَ يا يهوذا، هيمدحك أخواتك، وتهزم كل أعدائِكَ. وينحني أخواتك قدامك. يهوذا أنت زي أسد في قوتك. تقوم علشان تغتنم فريستك ومفيش حد يتجرأ على مقاومتك. ولا حد ينزع منك سلطتك، ومُلكك يدوم في ذريتك، والأمم تخضع لك لحد ما يجي الملك المنتظر. وأنت يا زبولون، فذريتك حتسكن عند شاطئ البحر ويكون ساحلهم ميناء للسفن، ولحد صيدا حتمتد حدود أملاكك. وأنت يا يساكر، فذريتك زي حمار حقل قوي لكن أحمالك ثقيلة. تحب الراحة في الحقول، لكن للعمل الشاق هتكون عبوديتك، والخمول يحني ظهرك. يا دان، أنت اللي هتجلب العدل لبني إسرائيل. أنت قبيلة صغيرة لكن ذريتك تعرف أزاي تكسب المعركة. أما أنت يا جاد، فالغزاة يحاربوك، لكن ذريتك تقاومهم وتطردهم. وأنت يا أشير، فتكون أرض ذريتك رخاء، وموائدتهم يكون عليها طعام ملكي. وأنت يا نفتالي زي غزال طليق، ذريتك طلعتهم بهية. يا يوسُف، ذريتك حتكون كثير زي كرمة زهرت أوراقها، على السور طلعت أغصانها، وعند النبع طرحت ثمارها. الأعداء حيهاجمو ذريتك من غير رحمة ويطلقوا عليكم سهام غضبهم. لكن قوة ذريتك تفضل ثابتة، وتفضل القوة في قبضة أيدكم، لأن إله بني إسرائيل بقدرته حيحفظكم. وإلهي اللي بعبده يكون في عون ذريتك، ويبارككم بنسل كثير وبمطر ينزل من السماء وأنهار تجري في أرضكم. عظيمة البركات اللي بطلبها من الله لكم، أعظم من الخيرات اللي على الجبال الأبدية والتلال الخالدة. اسأل الله يا يوسف أن كل البركات دي تحل على راسك، لأنك انت الأمير والسيد فوق أخوتك. وأنت يا بنيامين ذريتك خبراء في الحرب زي الذئاب المفترسة. فِي الصباح تحاربو أعدائكم وَفي المساء تأخذو من الغنيمة نصيبكم» هي دي البركة اللي بارك بها النبي يعقوب أولاده الاثني عشر، بحسب ما تنبأ لكل واحد منهم. وبعدين وصاهم النبي يعقوب وقال لهم: «دلوقت حان أجلي. فأوصيكم أنكم تدفنوني مع آبائي في كهف المكفيلة قرب ممرا في أرض كنعان. كهف المكفيلة ده كان جدي إبراهيم اشتراه من عفرون الحثي، وهناك اتدفن جدي إبراهيم وجدتي سارة. واتدفن أبي إسحاق وأمي رفقة. وهناك كمان دفنت زوجتي ليئة. أللهم أني أنتظر برحمتك خلاصي.» وبعدما وصَى النبي يعقوب أولاده، فاضت روحه لخالقها.

50

دفن النبي يعقوب

فَرمَى النبي يوسف نفسه على جَسد أبوه، وحضنه وبكى. وأمر الأطباء أنهم يحنطو جسد أبوه. فحنط الأطباء جسد أبوه في أربعين يوم على حسب عادات المصريين. وعمل المصريين حداد على النبي يعقوب سبعين يوم، لأنه كان أبو الوالي على أرض مصر. ولما كان النبي يوسف في فترة الحداد على أبوه، مكنش مسموح له أنه يقابل الفرعون حسب عادات الحداد عند المصريين. فتكلم النبي يوسف مع أهل بيت الفرعون وقال لهم: «لو ممكن تعملوا معايا معروف وتقولوا للفرعون على لساني: إن أبويا وصاني قبل وفاته وحلفني أني أدفنه مع أباءه في أرض كنعان. وأنا محتاج يأذن لي الفرعون أني أروح علشان أنفذ وصية أبويا وبعدها أرجع تاني .» فوافق الفرعون على طلب يوسف، وقال له: «يا يوسف، روح لكنعان واحفظ عهدك مع أبوك.»

ولما مشَى النبي يوسف من أرض مصر مع إخواته وكل أهل بيت ابوه علشان يدفنوا النبي يعقوب، راح معاه كبراء من حاشية فرعون ومعاهم فرسان وعربات حربية.

ولمّا وصلوا عند الضفة الشرقية من نهر الأردنّ، عمل النبي يوسف لأبوه عزاء كبير استمر سبعة أيام. ولما شاف الكنعانيين النواح العظيم على النبي يعقوب في عزاء التأبين قالوا: «دي مناحة عظيمة للمصريين.» علشان كده سموا المكان ده «آبل مصرايم» اللي معناها «مناحة المصريين».

وبعد أسبوع العزاء، عبر أولاد النبي يعقوب نهر الأردن ودفنوا أبوهم في الكهف اللي في حقل المكفيلة. والكهف ده كان النبي إبراهيم اشتراه مع الحقل من عفرون الحثي علشان يكون مدفن لأهل بيته في أرض كنعان. وبعد ما دفن النبي يوسف أبوه النبي يعقوب، رجع هو وأخواته وكل اللي كانوا معاه على مصر. وبكده نفذ أولاد النبي يعقوب وصية أبوهم قبل ما يموت.

وبعد رجوعهم لمصر خَاف أخوات النبي يوسف وقالوا لبعض: «هنعمل أيه دلوقت لو أن يوسف لسه بيكرهنا وعايز ينتقم مننا بسبب اللي عملناه معاه وقسوتنا زمان عليه؟» فبعتوا رسالة للنبي يوسف قالوا له فيها: «يا يوسف، أبوك وصانا قبل ما يموت وقال لنا: انتم كنتم أشرار مع يوسف وظلمتوه بفعلكم، ولازم تطلبوا منه العفو عن ذنبكم. واحنا دلوقت يا يوسف، بنطلب منك أنك تسامحنا وتعفي عن ذنبنا ، فاحنا في النهاية أخواتك وبنعبد إله أبوك.» فبكىَ النبي يوسف لما سمع رسالتهم.

وفي الوقت اللي كان فيه النبي يوسف بيبكي، دخل عليه إخواته وانحنوا قدامه على الأرض وقالوا : «يا اخونا يوسف، عبيدك احنا وخدامك». فقال لهم النبي يوسف: «أنتم إخواتي، ماتخافوش. وهو أنا مكان ربنا علشان أحاسبكم؟ أنتم كنتم عايزين لي شر ولكنّ ربنا بدله خير، علشان ينجي كل الناس دي وينجيكم. ماتخافوش من حاجة. أنا أكفيكم أنتم وأولادكم.» وبعد ما سمع أخوات النبي يوسف كلامه، اطمأنت قلوبهم.

وبعد كده فضل النبي يوسف عايش مع أهل بيت أبوه في مصر مدة طويلة. وكان عمر النبي يوسف لما وصل مصر (17 سبعة عشر) سنة. ولما عينه الفرعون والي على مصر كان عمره (30 ثلاثين) سنة. ولما وصل النبي يعقوب وأهل بيته لمصر كان عمر النبي يعقوب (130 مائة وثلاثين) سنة وعمر يوسف (39 تسعة وثلاثين) سنة. وعاش النبي يوسف لحد ما شاف أولاد أبنه أفرايم وأحفاده. وشاف كمان أولاد ماكير أبن ابنه منسَى.

وفاة النبي يوسف

ولما حس النبي يوسف بقرب أجله قال لإخواته: يا أخواتي، دلوقت أنا حاسس بقُرب أجلي، وربنا هيتكفل بكم ويخرجكم مِن الأرض دي، ويرجعكم للأرض اللي وعد بها أبائنا إبراهيم وإسحَاق ويعقوب. فاحلفوا لي أنه لما ربنا يأذن بخروجكم، تاخدوا عظامي معاكم، وتدفنوني في أرض كنعان.

ومات النبي يوسف وعُمره (110 مئة وعشرة) سنة، فحنطه المصريين وحطو جثمانه في تابوت.