26

النبي إسحاق في مدينة جرار

 

لما كان النبي إسحاق ساكن في منطقة بئر السبع في أرض كنعان، حصلت مجاعة زي اللي حصلت في زمن النبي إبراهيم. ولما فكر النبي إسحاق أنه يرحل لأرض مصر، أوحَى الله للنبي إسحاق وقال: «يا إسحاق، لا ترحل لأرض مصر، لكن تسكن في الأرض اللي هأقول لك عليها. خليك في الأرض دي متغرب فترة، وأنا هكون معاك وأبارك فيك وفي نسلك، وأعطيكم كل الأرض دي وأوفي بالعهد اللي عاهدت عليه أبوك إبراهيم. كل الأرض دي أعطيها لكم، واكتر نسلك فيكونوا زي عدد نجوم السماء، وبذريتك تتبارك أمم الأرض كلها. لأن أبوك إبراهيم أطاعني وحفظ وصيتي وأقام حكمي وشرعي». فمرحلش النبي إسحاق لمصر زي ما أمره الله، وسكن فترة طويلة في منطقة جرار اللي على الساحل جنوب ارض كنعان.

وكانت رفقة زوجة النبي إسحاق فاتنة الجمال، فخاف النبي إسحاق أن حد من أهل جرار يقتله علشان ياخذها، فكان بيقول أنها أخته لأي حد يسأله عنها. وبعد ما طالت إقامة النبي إسحاق في جرار، حصل في يوم أن أبيمالك ملك جرار بص من شباك بيته، فشاف النبي إسحاق بيلاطف زوجته رفقة. فاستدعَى أبيمالك النبي إسحاق وقال له: «يا إسحاق، الست دي زوجتك! إيه اللي خلاك تدعي إنها أختك؟» فقال النبي إسحاق: «يا أبيمالك، ظنيت أن حد ممكن يقتلني علشان يأخذها» فقال له أبيمالك: «ايه ده اللي أنت عملته فينا؟ كان ممكن أن أي حد من شعبي ياخدها ويعاشرها، فيكون ذنب عظيم علينا كلنا» وأصدر أبيمالِك أمر لكل الشعب قال فيه: «أي شخص يتعرض بالأذىَ للراجل ده أو لزوجته، يتعدم فورًا».

وبعد فترة زرع النبي إسحاق في أرض جرار فبارك له ربنا، وحصد مئة ضعف في السنة نفسها. فزادت ثروته وأصبح غني جدًا، وعلت بين الناس مكانته. وأصبح يملك قطعان غنم وبقر وكثير من الخدم، لحد ما حقد عليه اهل جرار الكنعانين.

 

فاستدعى أبيمالِك النبي إسحاق وقال له: «ارحل يا إسحاق من أرضنا لأنك بقيت أقوى كثيرًا مننا». فرحل النبي إسحاق من مدينتهم ونزل للوادي وسكن هناك. وكان أهل جرار ردموا بالتراب كل الآبار اللي كان حفرها خدم النبي إبراهيم. فحفر النبي إسحاق الآبار مرة ثانية، وسماها بنفس الأسماء اللي كان مسميها بها النبي إبراهيم.

ولما كان خدم النبي إسحاق بيحفروا في الوادي، لقوا نبع مياه، لكن رُعاة جَرَار الكنعانين اتنازعوا مع خدم النبي إسحاق وقالوا لهم المياه دي من حقنا. فسمىَ النبي إسحاق البئر «بئر النزاع». فحفر خدم النبي إسحاق بئر ثانية فتنازع معاه برضه الكنعانين عليها، فسماها إسحاق «بئر الكراهية». ورحل النبي إسحاق لمنطقة تانيه وحفر خدمه بئر فمحدش نازعه عليها، فسماها «بئر سعة»، لأنه قال: «رب العالمين وسع علينا ونجح عملنا».

بعدها رحل النبي إسحاق من هناك وراح لمنطقة بئر السبع، وفي ليلة وصوله لبئر السبع، اوحي الله للنبي إسحاق وقال له: «يا إسحاق، أطمئن. أنا هو رب أبوك إبراهيم. وأنا معك أباركك وأكثر نسلك وأوفي بعهدي مع أبوك إبراهيم». فبنىَ النبي إسحاق لله هناك مَكان لتقديم الأضحية وسبح بسم الله الحي القيوم، ونصب خيامه هناك وحفر خدم النبي إسحاق بئر مياه جديد.

 

المعاهدة بين النبي إسحاق وأبيمالك

وبعد فترة من إقامة النبي إسحاق في بئر السبع، جاله أبيمالك من جرار ومعاه أحزات مستشاره الخاص وفيكول قائد جيشه. فقال لهم النبي إسحاق: «أيه الي جابكم عندي يا كبراء جرار؟ مش أنتم كرهتوني ومن أرضكم طردتوني؟» فقالوا: «يا إسحاق، احنا نعرف بالحق دلوقت أن الله معاك، وأنت اهو دلوقت متنعم في بركة الله، فجئنا نعمل إتفاق معاك ونعمل معاهدة سلام بينا وبينك. فعاهدنا أنك ماتأذيناش، زي ما كنت أنت عايش معانا ومحدش اذاك فينا. ولما مشيناك من عندنا خرجت بسلام من أرضنا». فوافق النبي إسحاق على الأتفاق، وعمل لهم وليمة فأكلوا وشربوا علشان يحتفلوا بالمعاهدة. وتاني يوم الصبح أقسموا يمين العهد بينهم، ورحلوا بسلام من عنده راجعين في طريقهم.

وفي نفس اليوم جاء خدم النبي إسحاق وقالوا: «يا سيدنا، احنا لقينا مياه»، وبشروه أنهم لقوا مياه في الحتة الي كانوا بيحفروا فيها. فسمَى النبي إسحاق البئر «سبع» ومعناه القسم ومن بعدها اتعرفت بأسم بئر السبع. ولما بلغ عيسو إبن النبي إسحاق سن الأربعين أتجوز زوجتين، وهما بسمة بنت إيلون، ويهوديت بنت بيري من بنات الحثيين، فكانوا الأتنين سبب في تنغيص حياة النبي إسحاق وزوجته رِفقة.

27

بركة النبي إسحاق

في يوم من الأيام، ولما عجز النبي إسحاق وضعف نظره، نادى على عيسو ابنه البكر وقال له: «عيسو يا أبني». فقال له عيسو: «نعم يا أبي». فقال له النبي إسحاق: «يا أبني أنا خلاص عجزت ومش عارف امتَى يتوفاني ربي. فدلوقت جهز للصيد أسلحتك، وخذ سهامك وقوسك، واخرج للبرية علشان تصطاد لي بإيدك، وبعدين جهز لي اكل من اللي بحبه علشان أكل وأدعي لك بالبركة قبل ما يتوفاني ربي».

وسمعت رفقة زوجة النبي إسحاق الكلام اللي دار بين عيسو وأبوه. فلمّا خرج عيسو للصيد في البرية. قالت رفقة لإبنها يعقوب: « يا أبني أنا سمعت أبوك بيكلم أخوك عيسو وقال له: اخرج للبرية علشان تصطاد لي بإيدك، وبعدين جهز لي اكل من اللي بحبه علشان أكل منه وأدعي لك بالبركة قبل ما يتوفاني ربي. فدلوقت يا أبني تسمع كلامي وتعمل زي ما هقولك. روح لقطيع الغنم ونقي جديين، وأنا هاجهز لأبوك الأكل اللي بيحبه. وبعدين أنت تقدم له الأكل بنفسك، فياكل ويدعي لك أنت بالبركة قبل ما ينتهي أجله».

فرد يعقوب على أمه وقال لها: «يا أمي لكن أخويا عيسو مُشعر وأنا أجرد مفيش شعر على جسمي . وممكن أبويا يلمسني ويعرف أني باكذب عليه، وبدل من البركة أجيب لنفسي اللعنة». فقالت له أمه رفقة: «لو كانت لعنة يا ابني تبقى تنزل عليَّ أنا. يلا روح وهات لي الجديين زي ما قولتك فوراً». فراح يعقوب ونقَى جديين وجابهم لأمه، فجهزت رفقة الأكل اللي بيحبه أبوه. وبعدين أخذت رفقة هدوم أبنها البكر عيسو اللي في خيمتها، ولبستها لأبنها الصغير يعقوب، وغطت أيديه ورقبته بفروة من شعر الغنم. وبعدين عطت ليعقوب العيش والأكل اللي جهزته. فدخل يعقوب على أبوه وناداه: «يا أبي»، فرد النبي إسحاق: «نعم يا أبني، أنت مين من ولادي؟» فقال له يعقوب: «أنا عيسو ابنك البكر، وأنا عملت زي ما أمرتني، قوم وأقعد علشان تاكل من صيد ايدي وبعدين تدعي لي بالبركة». فقال له النبي إسحاق: «أزاي لقيت صيد بالسرعة دي يا أبني؟»، فرد عليه يعقوب: «ربنا أكرمني وسهل لي الصيد». فقال له النبي إسحاق: «قرب يا أبني وخليني ألمسك، علشان اتأكد لو كنت أنت أبني عيسو فعلاً». فقرب يعقوب من أبوه، فلمسه النبي إسحاق وبعدين قال: «الصوت صوت يعقوب، لكن الأيدين ايدين عيسو». فمقدرش النبي إسحاق يتعرف عليه، لأن ايديه كانت متغطية بالشعر زي ايدين عيسو أخوه، وأفتكر أنه أبنه البكري واستعد علشان يدعي له بالبركة. وبعدين سأله وقال له: «هو أنت فعلاً عيسو ابني؟». فرد عليه يعقوب: «ايوه أنا هو فعلاً». فقال له النبي إسحاق: «طيب يا ابني قدم لي من صيد ايدك علشان أكل وأدعي لك بالبركة». فقرب له يعقوب الأكل، فأكل النبي إسحاق وشرب. وبعدين قال النبي إسحاق: «قرب مني يا أبني علشان احضنك». فقرَب منه يعقوب وحضنه ، فشم النبي إسحاق ريحة هدوم عيسو اللي كان لابسها يعقوب، فدعا له بالبركة وقال:

«هي دي ريحة أبني،

زي ريحة بستان باركه ربي.

ربي ينزل عليك فيض من ندَى السماء،

ويجعل الخير في طرح أرضك.

ويكفي قوتك بالزيادة من القمح والعنب،

وتكون الناس كلها لك خدم.

وتنحني وتخضع لك كل الأمم.

وتكون سيد على أخواتك،

ويركع أبناء أمك قدامك.

اللي يدعى لك بالبركة ربنا يباركه،

واللي يلعنك يكون من الملعونين!

وأول ما انتهى النبي إسحاق من دعوته، خرج يعقوب من خيمته، وساعتها كان عيسو لسه راجع ومعاه الصيد اللي طلبه ابوه منه. فجهز عيسو الأكل اللي بيحبه أبوه، ودخل على النبي إسحاق وقال له: «يا أبي ، اتفضل قوم علشان تأكل من صيد يدي، وبعدين تدعيلي بالبركة». فسأله النبي إسحاق: «وأنت تكون مين؟». فرد عليه عيسو: «أنا عيسو أبنك البكري». فتفاجأ النبي إسحاق وقال وهو بيرتجف: «امال يبقى مين ده اللي جاب لي الأكل اللي طلبته قبل منك، فأكلت من كل الأكل اللي جابه، ودعيت له بالبركة ، وبالفعل هو نال بركتي!» فلمّا سمع عيسو كلام أبوه صرخ بحسره وقال له: «وأنا يا أبويا! أدعي لي أنا كمان بالبركة». لكن النبي إسحاق رد عليه وقال له: «يا أبني، أخوك عمل حيلة وسرق بركتك». فقال عيسو: «هو مش أسمه يعقوب؟ وهو أسم علىَ مُسمَى فعلاً! احتال عليا وغشني مرتين. المرة الأولى أبتزني في حق بكوريتي، واهو دلوقت سرق مني بركتي كمان. فهل يا أبويا عندك بركة تانية لسه محتفظ بها علشاني؟» فقال له النبي إسحاق: «يا أبني، ده أنا كمان خليته سيد عليك وعلى كل إخواته، وكلم هتكونوا في خدمته، ودعيت له بزيادة المحاصيل ومن كل اللي يحتاجه. فأيه اللي تبقىَ علشان اعمله علشانك؟». فقال عيسو لأبوه: «وهو أنت عندك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا كمان يا أبويا!». وبكَى عيسو بحسرة. فقال أبوه إسحاق: «سكنك يا ابني هيكون بعيد عن الأرض الخصبة ، ومفيش قطرة ندَى تنزل من السما على أرضك. هتعيش حياتك بسيفك، وتكون عبد لأخوك،

لكن لما تقرر أنك تتحرر، تكسر قيده وتبقَى حر.

 

يعقوب يهرب من أخوه عيسو

فغضب عيسو وحقد على يعقوب لأنه سرق بركة أبوه اللي كانت له هو. ففكر عيسو في نفسه وقال: «بعد أبويا ما يموت، أنا هاقتل يعقوب». ولما عرفت رفقة باللي عايز يعمله ابنها الكبير عيسو، بعتت وجابت أبنها الصغير يعقوب عندها وقالت له: «يا أبني، أخوك عيسو بيخطط علشان يقتلك. فاسمعني كويس وأعمل زي ما هاقول لك، يلا أمشي من هنا دلوقت وروح عند أخويا لابان في حاران، في أرض ما بين النهرين. وخليك عنده فترة، لحد ما يهدأ غضب أخوك من ناحيتك. وينسى اللي عملته معاه، ساعتها هبعتلك علشان ترجع هنا. يلا، ليه أفقد ولادي الأثنين في يوم واحد؟»

وحصل بعدها أن رفقة قالت للنبي إسحاق: «بنات الحثيين اللي اتجوزهم أبنك عيسو خلوا حياتي جحيم، فلو يعقوب هو كمان اتجوز واحدة من بنات الأرض دي الوثنيين، فالموت أحسن لي من حياتي معاهم».

28

يعقوب في حاران

وبعدما سمع النبي إسحاق اللي قالته زوجته رفقة، نادى علَى يعقوب ودعا له بالبركة، وقال له: «يا أبني أياك تتجوز واحدة من بنات كنعان الوثنيين. لكن تروح لبيت جدك بتوئيل في سهل آرام اللي في شمال أرض ما بين النهرين، وتتجوز واحدة من بنات خالك لابان. وأنا هادعي إلهي القدير أنه يبارك فيك، ويجعل من ذريتك أمم كثيرة ويُنميك. ويوهبك أنت ونسلك البركة اللي وهبها لإبراهيم ، وتملك الأرض اللي أنت عايش فيها النهاردة غريب».

وبَعت النبي إسحاق ابنه يعقوب علشان يعيش عند لابان أخو أمه رفقة في سهل آرام في شمال أرض ما بين النهرين. ولما شاف عيسو أن أبوه دعا بالبركة ليعقوب وبعته أرض آرام علشان يتجوز واحدة من بنات خاله لابان، وكمان لما عرف ان ابوه النبي إسحاق منع يعقوب من أنه يتجوز من بنات كنعان، راح عيسو للمكان الي عايش فيه عمه إسماعيل، وتزوج واحدة من بنات عمه إسماعيل وكان أسمها محلة، وهي أخت نبايوت الأبن البكر لعمه إسماعيل.

ولما كان النبي يعقوب في طريقه من بئر السبع علشان يروح آرام في أرض ما بين النهرين، وصل وقت غروب الشمس ، لمكان قريب من مدينه القدس، فقرر أنه يبات الليله هناك، وأخذ حجر وحطه تحت رأسه ونام. ولما غفل شاف في المنام، زي سلم بيوصل بين الأرض و السماء، والملائكة بتنزل عليه وبتطلع للسماء. وشاف يعقوب وحي الحي القيوم واقف قريب منه وقال له: «أنا هو الحي القيوم رب أبائك إسحاق وإبراهيم، الأرض اللي أنت راقد عليها دي أنا وهبتها لك ولذريتك. وهكَثر نسلك زي رمل الأرض، وينتشروا في الشمال والغرب والجنوب والشرق، ومنك ومن ذريتك تكون بركة لأمم الأرض أجمعين. مكان ما تروح أحفظك وأحميك، وهكون موجود معاك، وارجعك هنا لأرض كنعان مرة ثانيه».

فصحى يعقوب من النوم وهو خايف وقال: «ده مكان شريف و له جلالة! أكيد هنا بيت من بيوت الله وباب من أبواب السماء».

وأول ما النهار طلع أخذ يعقوب ٱلحجر ٱللي كان تحت رأسه ونصبه ذكرى في مكانه، ومسحه بالزيت. وسمى يعقوب المكان ده بيت إيل و معناه بيت الله بعد ما كان أسمه الأصلي لوز.

ونذر يعقوب لله وقال في نذره: «لو أن الله حيكون معايا، يحفظني في طريق رحلتي، ويرزقني بطعامي ويكفيني في كسوتي، و إن كان الله حيرجعني بالسلامة تاني لبيت أبويا، فالحي القيوم فعلاً إلهي! وهخلي الحجر الي نصبته هنا ذكرى وعلامة لبيت عبادة الله، والعُشر من كل اللي يرزقني به ربنا هأقدمه زكاة.

29

زواج النبي يعقوب

ومشَى النبي يعقوب من المكان الذي سماه بيت إيل، وكمل رحلته في أتجاه الشرق. ولما قرب من منطقة حاران، شاف من بعيد في الوادي بئر ماء عليها حجر كبير، وحولين البئر كانوا متجمعين الرعاة ومعهم ثلاثة مجموعات من الأغنام، مستنيين بقية الرعاة يجوا علشان يرفعوا الحجر الكبير من علَى البئر ويسقوا الأغنام. وكانت عادة الرعاة أنهم يجمعوا هناك المواشي والأغنام، وبعدين يتعاونوا كلهم مع بعض علشان يدحرجوا الحجر عن على البئر ويسقوا الأغنام. وبعدها يتعاونوا مرة تانية علشان يرجعوا الحجر على البئر بعد ما يخلصوا شرب الأغنام. فقرب منهم النبي يعقوب وسألهم: «أنتم منين يا أخوتي؟» فقالوا: «احنا من حاران». فقال لهم النبي يعقوب: «طيب تعرفو لابان حفيد ناحور اللي كان له أخ اسمه إبراهيم؟» فردوا عليه وقالوا: «أيوه، نعرف لابان». فسألهم النبي يعقوب: «طيب ، هو بخير؟» فقالوا له: «هو بخير، وبنته راحيل اهي جاية ومعها الأغنام». فقال لهم: «طيب ، لسه النهار طويل قدامكم، ولسه ماجاش وقت إجتماع بقية أغناكم، فشربوا أغنامكم دلوقت وأرجعوا بها للمراعي». فقالوا ليعقوب: « لا أحنا لازم نستنَى لحد ما تجتمع بقية رعاتنا، علشان نتعاون كلنا ونرفع الحجر من على البئر كلنا».

ولما كان النبي يعقوب يتكلم مع الرعاة، جات راحيل بنت خاله ومعاها غنم أبوها، فلما شافها النبي يعقوب جاية مع غنم خاله لابان، أتشجع وأستقوى وقام ودحرج ٱلحجر الكبير لوحده وسقَى أغنام خاله لابان. وبعدين عرف راحيل أنه ابن عمّتها رفقة، وسلم عليها وبكىَ من فرحته بها، فجرت راحيل علشان تقول لأبوها لابان. فلما عرف لابان أن ابن أخته يعقوب وصل حاران، جرَى علشان يستقبله وسلم عليه وحضنه وأخذه معاه لبيته. وحكَى النبي يعقوب لخاله عن كل اللي حصله لحد ما وصل حاران. فقال له خاله لابان: «أنت أبن أختي ومن لحمي ودمي». ففضل النبي يعقوب يساعد خاله لابان في تربية الأغنام لمدة شهر من ٱلزمان.

 

زواج النبي يعقوب

وبعد الشهر اللي قضاه النبي يعقوب في مساعدة خاله، قال لابان للنبي يعقوب: «حتى ولو كنا أقارب، فميجوزش أنك تخدمني بالمجان. قوللي أيه هي الأجرة اللي ترضاها؟» وكان عند لابان خال النبي يعقوب بنتين، البنت الكبيرة اسمها لَيئة والصغيرة اسمها راحيل. وكانت عيون ليئة ضعيفة ومطفية، لكن راحيل كانت حلوة وشكلها جميل. وكان يعقوب وقع في حب راحيل وتعلق بها، فقال لخاله لابان: «يا خالي، جوزني بنتك الصغيرة راحيل وأنا أخدمك سبع سنين مقابل مهرها». فقال له خاله لابان: «يبقىَ تفضل عندي، فأنت أولَى بها من الغريب وأنا حجوزك راحيل بنتي». ومرت السبع سنين خدمة عند لابان هينة على النبي يعقوب لأنه تعلق ببنت خاله راحيل وحبها.

وفي يوم من الأيام، قال يعقوب لخاله لابان: «يا خال، السبع سنين خلاص تمت، فجوزني بنتك راحيل». فعمل لابان وليمة كبيرة وعزم كل المعارف والجيران. ولكن بالليل أخذ لابان بنته الكبيرة ليئة ودخلها في الظلمة على يعقوب . وعطى لابان جاريته زلفة علشان تكون في خدمة بنته ليئة. فلما طلع النهار أكتشف النبي يعقوب أن اللي دخل عليها هي ليئة، فراح النبي يعقوب وهو غضبان وقال لخاله لابان: «يا خالي، أيه اللي عملته فيا؟ أحنا مش متفقين أني أخدمك سبع سنين وبعدها تجوزني بنتك الصغيرة راحيل؟ فليه خدعتني ودخلت عليا أختها؟» فقال له لابان: «جواز البنت الصغيرة قبل الكبيرة مش من عادات بلادنا. تمم أسبوع فرحك على ليئة، وبعدها اجوزك راحيل كمان. لكن لازم تخدمني سبع سنين تانيين مقابل مهرها». فوافق يعقوب، وكمل أسبوع فرحه على ليئة. وبعدها عطاه خاله لابان بنته راحيل فتجوزها هي كمان. وعطى لابان جاريته بلْهة لبنته الصغيرة راحيل علشان تكون في خدمتها. فدخل النبي يعقوب على راحيل وحبها أكثر من ليئة أختها، وخدم عند خاله سبع سنين علشان خاطرها.

 

أبناء النبي يعقوب

ورزق الله ليئة بأولاد لما شاف أنها مش محبوبة من جوزها. أما راحيل فكانت عاقر ومابتخلفش أولاد. ولما حملت ليئة وخلفت أبنها البكر سمته رأوبين (والأسم معناه: شوفوا ابني)، لأنّها قالت: «ربنا رحم ذلي، ودلوقت جوزي يحبني». بعدها حملت ليئة مرة تانية وخلفت ولد وسمته شمعون (الأسم معناه: سمعان)، لأنها قالت: «ربنا سمع أني مذمومة، وأرد بالولد أنه يعوضني». وبعدها حملت ليئة وخلفت ولد ثالث وسمته لاوي، لأنها قالت: «أنا دلوقت خلفت له ثلاث أولاد، يمكن جوزي دلوقت يقربني منه ويقبلني». بعدها حملت ليئة وخلفت ولد رابع وسمته يهوذا (الأسم معناه: حمد)، لأنها قالت: «أشكر الله واسبح بحمده».

30

ولما شافت راحِيل أنها مش قادرة تخلف ليعقوب أولاد، غارت من أُختها وقالت ليعقوب: «أنا هاموت يا يعقوب لو مخلفتش أولاد!» فغضب النبي يعقوب من كلام راحيل وقال لها: «الأمر بيد الله. مش أنا اللي منعك من الحمل علشان أوهبك الولد!» فردت عليه راحيل: «خلاص، خذ جاريتي بلهة وادخل عليها، فتولد على ركبتي، والأولاد اللي تخلفهم يكونوا لي أنا». وبكدة قدمت راحيل للنبي يعقوب بلهة جاريتها، فاخذها النبي يعقوب وتزوجها. فحملت بلهة جارية راحيل وخلفت للنبي يعقوب ولد. فسمته راحيل دان (ومعنى الأسم: حكم) لأنها قالت: «سمع ربنا صوتي فرزقني بولد وانصفني». و بعدين حملت بلهة مرة ثانية وخلفت ولد ثاني للنبي يعقوب. فسمته راحيل نفتالي (ومعنى الأسم: مُصارع أو مجاهد) لأنها قالت: «كان بيني وبين أُختي صراع عظيم، لكن أنا غلبتها».

ولما عرفت ليئة زوجة النبي يعقوب أنه أنقطع حملها، خلت النبي يعقوب يدخل على زلفة جاريتها. فحملت زلفة وخلفت للنبي يعقوب ولد. فسمته ليئة جاد (ومعنى الاسم: بخيت أو مسعود) لأنها قالت: «فعلاً محظوظة أنا!» و بعدين حملت زلفة مرة ثانية وخلفت ولد ثاني للنبي يعقوب. فسمته ليئة أشير (ومعنى الاسم: سعد) لأنها قالت: «يا فرحتي، كل الستات هتقول أني مسعودة».

وفي موسم حصاد القمح، لقَى رأوبين عشبة اللفاح وهو بيشتغل في الحقل، فأخذ شوية منها لأمه ليئة. فقالت راحيل لأختها ليئة: «أديني شوية من عشب اللفاح الي جابهولك أبنك». فقالت ليئة لراحيل أختها: « مش كفاية أنك أخذتي جوزي مني؟ ودلوقتي عايزه كمان تاخدي لفاح ابني؟» فقالت لها راحيل: «أخذ لفاح ٱبنك، واخلي يعقوب يبات عندك الليلة بدل مني!». ولما رجع النبي يعقوب من الحقل وقت الغروب، خرجت لَيئة وقابلته وقالت له: «أختي أتفقت معايا أنك تبات الليلة عندي مقابل أني أديها لفاح ٱبني». فقضى يعقوب الليلة عندها. واستجاب الله لدعاء ليئة فحملت وخلفت للنبي يعقوب ولد خامس. فسمته ليئةَ يساكر (ومعنى الأسم: ثواب) لأنها قالت: «دي مكافئتي لأني عطيت جاريتي لزوجي». و بعدين حملت ليئة مرة ثانيه وخلفت ولد سادس للنبي يعقوب. فسمته ليئة زبولون (ومعنى الاسم: وهبة) لأنها قالت: «وهبني الله ستة أولاد هدية غالية، دلوقتي يقبلني زوجي ويُكرمني». وبعدين خلفت ليئةَ بنت وسمتها دينة.

ورحم الله راحيل وأستجاب لها، فحملت وخلفت للنبي يعقوب ولد وقالت: «نزع الله العار عني». وسمت الولد يوسف (ومعنى الاسم: زيادة) لأنها قالت: «يمكن الله يزيدني ولد تاني».

 

وبعد ما خلفت راحيل أبنها يوسف بفترة، قال النبي يعقوب لخاله لابان: «يا خال، أسمح لي ارجع لبلادي. أنت عارف انا ازاي اجتهدت في خدمتك، فاسمح لي أني أخذ زوجاتي وأولادي الي خدمتك علشانهم». لكن لابان قال له: «يا يعقوب ، لو ترضىَ وعايز تُكرمني، خليك عندي. أنا عرفت أن الله بسببك باركني . حدد لي الأجر اللي يرضيك فأدفعه لك وتفضل عندي». فرد عليه النبي يعقوب: «أنت عارف قد أيه كان إخلاصي في خدمتك، وتعرف قد أيه مواشيك زادت وهي في رعايتي، فالقليل اللي كان عندك زاد كثير بعد ما جيت أنا، والبركة اللي حلت عليك كانت من الله بسببي. ودلوقتي أمتى هشتغل علشان أولادي وأسرتي؟» فقال له لابان: «قول لي الي انت عايزه علشان تفضل معايا ؟» فقال النبي يعقوب: «حاجة واحدة لو عملتها أفضل عندك. فلو وافقت أن اَمُر النهاردة بين أغنامك كلها، وأعزل الأغنام المبقعة والمنقطة والسوداء لنفسي، فتكون هي دي أجرتي. أما صافي اللون من الأغنام فهي بتاعتك. ساعتها أفضل في خدمتك وتفضل أغنامك تحت رعايتي. وبكده تقدر تتأكد من أمانتي، فلو شوفت يوم عندي غنم صافي اللون غير المبقعة والمنقطة والسوداء الي خلتها أجرتي، فهي مسروقة وعلىَ عهدَتي». فرد لابان: «زي ما قلت هيكون، أتفقنا». لكن قبل نهاية اليوم، سبق لابان للقطيع وأخذ الأغنام المبقعة والمنقطة والسوداء وعطاها لأولاده. فأخذوا الغنم ومشوا بها بعيد مسافة ثلاثة أيام عن المكان اللي كان بيرعَى فيه يعقوب. ففضل النبي يعقوب يرعَى الأغنام صافية اللون اللي تخص لابان.

فجاءت الفكرة في رؤيا شافها النبي يعقوب، فعرف أنه لو تزاوجت الأغنام قدام أغصان الأشجار المكشوف عن بياض جذعها، تتولد الأغَنام مبقعة كلها. فأخذ أغصان من شجرة اللبنى وشجر الدلب واللوز، وقشرها فكشف عن البياض اللي تحت قشرتها. وكل ما كانت تيجي أغنام قوية للتزاوج عند المياه، كان يعقوب بينصب الأغصان المكشوف بياض جذعها قدامها، فتتولد الأغنام قوية ومبقعة كلها. لكن ماكانش بينصب الأغصان لما تتزاوج الضعيفة من الأغنام. فبقَى القوي من الأغنام يدخل في نصيب يعقوب والضعيف يكون من نصيب لابان. فجمع النبي يعقوب ثروة كبيرة، وبقَى يملك خدم وخادمات كثير، وجمال وحمير وكثير من العبيد والأغنام.

31

رحيل النبي يعقوب من حاران

وعرف النبي يعقوب أللي بيدور بين أولاد لابان وأنهم بيقولوا: «استولىَ يعقوب على مال أبونا، وجمع منه ثروته كلها». وكمان شاف النبي يعقوب أن معاملة لابان معاه أتغيرت ومبقتش زي الأول. فأوحى الله تعالى للنبي يعقوب وقال له: «يا يعقوب أرجع لأرض أبوك وأهلك، وأنا هكون موجود معاك».

وكان النبي يعقوب بيرعىَ الغنم في الحقول، فبعت لراحيل وليئة علشان يجوا لعَنده. ولما جُم قالهم: «اسمعوا، معاملة أبوكم اتغيرت من ناحيتي ومبقتش زي الأول، لكن إله أبائي كان معايا. وأنتم عارفين قد ايه كان إخلاصي لأبوكم في خدمتي، أما هو فغشني وعشر مرات غَيَّر أجرتي. إلا أن ربنا مأرادش أنه يضرني، فلما أبوكم قال لي: الغنم المُبقعة هتكون أجرتك، كانت مشيئة ربنا أن الغنم القوية تيجي مُبقعة كلها. ولما أبوكم قال لي: الغنم المُخططة هتكون أجرتك، كانت مشيئة الله أن الغنم القوية تيجي مُخططة كلها. وبكده أخذها ربنا من أبوكم وخلاني أمتلكها. فلما جه موسم تزاوج الأغنام، شفت في المنام الذكور من الفحول المُبقعة بتنكح الإناث من الأغنام. وفي الرؤيا ناداني ملاك الله: يا يعقوب! فرديت: أنا اهه موجود! فقال لي المَلَك: بص حواليك وشوف الفحول بتنكح الإناث من الأغنام. وأعلم أن الله عالم بألي عمله معاك لابان. وأن الله تعالى بيبلغك ويقول لك: أنا اللي أوحيت لك في قرية بيت إيل، مكان ما مسحت العمود بالزيت وندرت لي ندر هناك. حان الوقت أنك ترحل عن الأرض دي وترجع لأرض مولدك. فردت راحيل وليئة وقالوا: وهو فيه حاجة فضلت لنا من ورث أبونا؟ ده كأننا مش بناته وزي الأغراب بيعاملنا، بعد ما باعنا في جوازنا وأكل كمان مهرنا! دلوقتِ اعمل زي ما أمرك ربنا، فكل الثروة دي حقنا وحق أولادنا، بعد ما ربنا أخذها من أبونا وخلاها في ايدنا.

فقام النبي يعقوب، وجهز الجمال وحَمّل عليها حريمه والأطفال، وساق النبي يعقوب قدامه مواشيه وأغنامه، وكل اللي أتحصل عليه من لابان في بلاد ما بين النهرين، ورحلوا على أرض الكنعانيين مكان ما ساكن أبوه وأهله. في الوقت ده، كان لابان بيقص صوف غنمه في مكان بعيد عن مكان النبي يعقوب بثلاث أيام. فقبل ما يرحلوا استغلت راحيل غياب أبوها وسرقت التماثيل اللي كان بيتبارك بها. وبكده غفل النبي يعقوب خاله لابان وهرب من غير ما يقوله ناحية أرض كنعان. فعبر النبي يعقوب نهر الفرات ومعاه حريمه وأولاده وكل اللي اتحصل عليه، ومشوا ناحية أرض جلعاد الجبلية شرق نهر الأردن.

 

لابان يطارد يعقوب

وبعد ثلاث أيام عرف لابان أن يعقوب رحل وهرب منه. فجمع لابان عزوته وراحوا ورا النبي يعقوب، وبعد سبعة أيام حصلوه عند منطقة جلعاد جنوب دمشق. ونصب لابان وجماعته خيامهم هم كمان بالقرب من مكان ما النبي يعقوب ناصب خيامه. وفي الليلة دي حذر الله لابان في المنام وقال له: يا لابان، أحذر أنك تؤذي يعقوب أو تمسه بسوء! والصبح راح لابان وقال للنبي يعقوب: ايه الي عملته يا يعقوب، ليه غفلتني وسُقت بناتي قدامك زي الجواري؟ أيه الي خلاك تهرب من غير ما تعرفني؟ لو كنت قولتلي أنك ناوي على الترحال، كنت ودعتك بوليمة وإحتفال. وليه يا يعقوب منعتني من أني أودع بناتي وأحفادي؟ دي كانت حماقة منك يا يعقوب. ودلوقتِ أنا قادر أني أؤذيك، لكن إله أبوك حذرني ليلة أمبارح في المنام وقال لي: أحذر أنك توذي يعقوب أو تمسه بسوء! طيب أنا ممكن أفهم أنت رحلت علشان أشتقت لبيت أبوك، لكن أيه اللي خلاك تسرق تماثيل الهتي الي باتبارك بها؟

لكن يعقوب ماكنش يعرف أن راحيل قبل ما ترحل معاه سرقت التماثيل اللي كان بيتبارك بها أبوها. فقال النبي يعقوب للابان: يا خال، أنا خفت أنك تاخد بناتك مني غصب عني، فرحلت من غير ما أقولك. أما تماثيل آلهتك فأنا ماعرفش حاجة عنها، فلو مع أي حد منا لقيتها فالموت له جزاء سرقتها. اَهُم قرايبك بيني وبينك شاهدين، وإن كان لك عندي حق فهو مردود.

ففتش لابان وبدأ بخيمه النبي يعقوب وملقاش حاجة له فيها، وبعدين دخل خيمة لَيئة وخيمة الجاريتَين وفتش وبرضه ملقاش حاجة فيها، بعدها خرج وراح علشان يفتش خيمه راحيل. لكن راحيل كانت حطت التماثيل في الكيسة اللي كانت على ظهر الجمل وقعدت عليها، ولما دخل أبوها قالت له: سامحني يا أبويا إن كنت مش قادرة أقف في حضورك، لإن عادة النساء فاجأتني. ففتش لابان في خيمة راحيل لكنه ملقاش تماثيل آلهته الي كانت مخبياها راحيل وقاعده عليها.

فتملك الغيظ من النبي يعقوب وعاتب خاله لابان وصرخ وقال له: أنا أيه اللي عملته وأيه اللي أذنبته؟ وليه بتطاردني وكأنني في حقك أجرمت؟ اَهُه أنت دورت في كل الي عندي وفتشت، فحط قدام قرايبي وقرايبك الي يخصك وعندي لقيت، وهم يحكموا بيننا في الي به عليَّ ادعيت! طول عشرين سنة خدمتك فيها، مافيش واحده من غنمك سقطت وِّلدها، ولا في يوم حتى أكلت من لحمها. والي كان السبع بياكل منها، ماكنتش بارجع لك بجثتها، وكنت أنا الي بيتحمل خسارتها، والي كان بيتسرق في ليل أو نهار منها، من أيدي كنت بتطلب عوض عنها. قد أيه أتحملت من حر نهار يأكل جلدي، وبرد ليل خلىَ النوم يخاصم عيني. عشرين سنة عندك خدمتها، أربعة عشر سنة منها مهر بناتك، وست سنين مقابل الغنم الي أتفقنا عليها، لكنك خدعتني وغيرت كلامك عشر مرات معايا. ولولا أن إله أبائي إبراهيم وإسحاق كان معايا وبيؤيدني، لكنت بأيدي فاضيه طردتني، لكن الله حفظني فهو عالم بتعبي وقد أيه في خدمتك تعبتني، فأنبك على اللي أنت عملته (وحذرك ليلة أمبارح من أنك تمسني).

فرد عليه خاله لابان: يا يعقوب، اما البنات فبناتي، وأولادهم أولادي، والغنم في الأصل غنمي، وكلّ الي تملكه هو في الأساس ملكي. لكن دلوقتِ أنا هاعمل أيه بيهم، فلا حيلة لي في بناتي ولا في أولاد بناتي؟ فتعالى نعمل عهد يشهد بيني وبينك. وأراد النبي يعقوب أنه ينصب عمود علشان يكون توثيق للعهد بينهم. فأمر النبي يعقوب رجالته أنهم يجمعوا حجارة وفي كومة يرصوها، وقعدوا اكلوا وليمة العهد جنبها. والكومة الي تعاهدوا عندها سموها كومة الشهادة، ومعناهاجلعيد بلغة النبي يعقوب العبرية، ويجر سهدوثا بلغة لابان الآرامية. وبعدها قال لابان: يا يعقوب، من النهارده حتكون الكومة دي شاهد على إتفاقنا. ورب الأرباب رقيب علينا لما نفترق عن بعضنا. عاهدني أنك لا تؤذي ولا تهين بناتي ولا تتجوز عليهم زوجة تانية، حتى لو مفيش حد يعلم بك، فالرب هو الشاهد عليك. والعمود والكومة يكونوا حدود بينا، لا تتجاوزها أنت علشان تؤذيني، ولا أتجاوزها أنا علشان أؤذيك. وإله جدك إبراهيم وإله جدي ناحور شاهد على عهدنا وهو الحَكَم بينا. فتعاهدوا وأقسم له النبي يعقوب بإله أبوه إسحاق. فقام النبي يعقوب وقدم أضحية تقرباً لله، وعمل وليمة إحتفال بالمعاهدة وعزم فيها كل الموجودين، فأكلوا وباتوا ليلتهم في الجبل أمنين. والصبح قام لابان وودع بالقبلات أحفاده، ودعا بالبركة لبناته، ومشى مع عزوته راجع على بيته في آرام في شمال أرض ما بين النهرين.

32

الصلح بين النبي يعقوب وأخوه عيسو

واستمر النبي يعقوب في رحلته للجنوب في طريقه لبيت أبوه، فقابلته ملائكة الله في الطريق. فلما شافهم النبي يعقوب قال: «ده جُند الله بيحميني!» فسمىَ المكان ده محنايم. (ومعناه: الفرقتين).

ولما قرب النبي يعقوب من منطقة آدوم، بعت قدامه رُسل لأخوه عيسو الي كان عايش في منطقة أدوم اللي في جبال سعير شمال مديان. ووصَى رُسله وقال لهم: «لما تقابلوا عيسو أخويا الكبير بلغوه وقولو له: بيقول لك أخوك الصغير يعقوب «يا أخي الكريم، أنا أتغربت عند خالنا لابان وعشت عنده هناك من وقت ما رحلت من عندكم لحد الآن. وأنا دلوقتِّ أمتلك كثير من العبيد والجواري والبهائم والأغنام، وأنا بعت لك رسلي قدامي يمكن ألاقى منك الرضا والإحسان». ولما رجع الرُسل قالوا للنبي يعقوب: «احنا رُحنا لأخوك عيسو زي ما أمرتنا، وهو جاي يقابلك ومعاه ٤٠٠ رجل». فخاف النبي يعقوب وبقىَ في كرب عظيم، فقسم كل الناس الي معاه وكمان البهائم والأنعام لفرقتين. وقال في نفسه: «إن هاجم عيسو فريق منهم وأهلكهم، يفلت من هجمته الباقيين». ودعىَ النبي يعقوب وقال: «أللهم رب أبائي إبراهيم وإسحاق يا حي يا قيوم، يا رب أنت قلت لي: ارجع لأرض أبوك وأهلك، وأنا اُحسِن إليك. يا رب، لا أستحق كرمك والفَضل لك وحدك في إحسانك على عبدك، وأنت أنعمت عليَّ ووفيت وعدك. فلما رحلت من بيت أبويا وعبرت نهر الأردن ماكنتش أملك إلا عصايتي، ودلوقت أنا راجع ومعايا جماعتين. يا رب أنا خايف من أخويا عيسو إليَّ جاي يهجم علينا ويهلكنا، فخلصني ونجيني منه أنا والي معايا، فلا يهلك نفسي ويهلك معايا الأمهات والبنين. يارب وعدك حق وأنت قلت لي: يا يعقوب، أنا هاحسن إليك، وهاكتر نسلك زي رمل البحر من كتره محدش يقدر يعده».

 

وبعد ما خلص النبي يعقوب دعوته وقضى ليلته، قام ونقىَ من البهائم والأنعام الي يملكها هدية علشان يراضي بِها عيسو أخوه. فنقىَ ٢٠٠ معزة و ٢٠ جدي، و ٢٠٠ نعجة ومن الكباش ٢٠ و ٣٠ ناقة ومعها صغارها، و ١٠ ثيران و ٤٠ بقرة و ١٠ حمير ومن انثىَ الحمار ٢٠. وبعدين قسم هديته من البهائم والأنعام لقطعان، وعطىَ كل قطيع لواحد من خدمه وقال لهم: «أتقدموا أنتم وأسبقوني في الطريق، وخلوا بينكم مسافة وأنتم ماشيين». ووصى الأول منهم وقاله: «لو صادفك أخويا عيسو في الطريق وسألك: سيدك مين؟ والبهائم والأغنام دي بتوع مين؟ ورايح بِّهم على فين؟ فتقول له: القطيع ده هدية من أخوك الصغير يعقوب لسيدي عيسو العظيم، وأحنا سبقناه وهو في الطريق جاي ورانا». وزي ما وصىَ أولهم، وصىَ كمان التانيين، واتفكر النبي يعقوب في نفسه وقال: «أراضيه بهديتي يمكن لما نتقابل الاقي منه الرضا والقبول». فمشىَ الخدم بالهدايا وسبقوه في الطريق واتفرقوا زي ما أمرهم. أما النبي يعقوب فقعد الليلة دي مع جماعته في نفس المكان مع فرقة من الفرقتين.

 

وفي الليلة دي، نَقل النبي يعقوب زوجاته وجواريْه وأولاده الحداشر، وعبروا نهر يبوق (وأسمه دلوقت نهر الزرقا في شرق وادي الأردن جنوب بحيرة الجليل). ونقل معاهم كل الي فضل من ممتلكاته للضفة التانية من الوادي. وفَضَل النبي يعقوب بعدها لوحده، فظهر له ملاك في هيئة رجل، فصارعه النبي يعقوب لحد ما طلع الفجر فلما شاف الشخص ده جهد يعقوب في مصارعته، ضرب مفصل فخذ النبي يعقوب فانخلع وهو بيصارعه. بعدها قال الشخص ده للنبي يعقوب: «الفجر طلع، سيبني امشي». فاتَمسك به النبي يعقوب وقاله: «مش هاسيبك تمشي إلا لما تدعي لي بالبركة». فسأل الملاك النبي يعقوب: «أيه أسمك؟» فَجاوبه: «أسمي يعقوب». فقال له: «اسمك من دلوقت مش هيكون يعقوب، من دلوقت أسمك هيبقى إسرائيل، لأنك صبرت وإجتهدت مع الله والبشر ونجحت». فقال له النبي يعقوب: «من فضلك قولي ايه ٱسمك؟» فجاوبه: «وليه بتسأل عن أسمي!» وبعد ما باركه، مشىَ وسابُه.

وسمىَ النبي يعقوب المكان ده «فنيئيل» (الي معناه: وجه الله)، لأنه قال في نفسه: «أنا شفت القدرة الإلهية في وجه الملاك ونجيت من الهلاك». وطلعت الشمس وهو ماشي من منطقة «فنيئيل»، وكان بيعرج وهو ماشي بسبب الإصابه اللي في فخذه. وعلشان كده بني إسرائيل مش بياكلوا عصب الفخذ من اللحوم، تذكار للواقعة الي حصلت للنبي يعقوب.

33

لقاء النبي يعقوب مع أخوه عيسو

وبعدين بَص النبي يعقوب فشاف أخوه عيسو ومعاه ٤٠٠ رجل من بعيد عليه جايين. فقسم أهل بيته وخلى كل أم من زوجاتهِ ليئة وراحيل مع أولادها، وكمان عمل نفس الشيء مع أولاد الجاريتين. وبعدين فرق بينهم وخلىَ الجاريتين وأولادهم في الأول، ومن بعدهم خلىَ ليئة وأولادها، وبعدين خلىَ راحيل ويوسف أخر ناس ماشين. أما النبي يعقوب فتقدم ومشى قدامهم ناحية أخوه عيسو، ولحد ما قرب منه كان انحنىَ قدامه سبع مرات بإحترام. فجرَى عيسو وحضن النبي يعقوب وقبله، وبكوا هم الأثنين. ولما شاف عيسو النساء والأولاد جايين، سأل النبي يعقوب: «مَن دول الي وراك جاين؟» فرد عليه النبي يعقوب: «دول أولادي الي انعم عليَّ بهم رب العالمين». فقربت الجاريتين وأولادهم وانحنوا بإحترام قدام عيسو. ومن بعدهم قربت ليئة وأولادها وانحنوا بإحترام قدام عيسو، ومن بعدهم قربت راحيل ويوسف وانحنوا بإحترام قدام عيسو زي ما عمل الباقيين.

فسأل عيسو النبي يعقوب: «أيه الي قصدته يا يعقوب بقطعان البهائم والأنعام الي قابلتها واحنا في الطريق جايين؟» فجاوبه النبي يعقوب: «قصدت أن هديتي تسبقني يمكن أنول رضاك». فقال له عيسو: «أحتفظ أنت باللي عندك، فإن عندي منها دلوقت كثير». فقاله النبي يعقوب: «لا يا أخي، إن كنت رضيت عني، فتفضل واقبل هديتي. فالرضا الي شفته على وجهك وكأني شفت الرضا من رب العالمين. اتكرَم وباركني واقبل هديتي. فربنا أكرمني بالكثير ومن كل النعم رزقني». فقبلها عيسو منه بعد ما شدد النبي يعقوب والح عليه.

وبعدين قال عيسو للنبي يعقوب: «طيب خلينا نرحل من هنا وأنا هاكون قدامك واحنا في الطريق ماشيين». فقال النبي يعقوب لعيسو: «يا أخي، زي ما أنت شايف أولادي لسه ضعاف وصُغيرين، والمواشي مُرضعة أصابها الإعياء ويمكن تهلك لو زدت عليها يوم تاني من العناء. فتفضل أنت يا أخي الكريم واسبقني، وأنا من وراك أسوق ماشيتي وامشي بأهل بيتي في الطريق على مهلنا، لحد ما اوصل بهم جبل سعير وهناك نتقابل.» فقال عيسو للنبي يعقوب: «طيب بس خليني اسيب معاك رجالي يكونوا في صُحبتك.» فقاله النبي يعقوب: «وليه كل ده؟ يكفيني الرضا الي لقيته في مودتك.» فمشىَ عيسو في طريقه في نفس اليوم راجع على سعير أما النبي يعقوب فقلبه ماكانش مُطمئن، وبدل ما يمشي ورا عيسو رحل للغرب ناحية نهر الأردن، ونصب للمواشي بتاعته مظلات وبنى لنفسه ولأهله بيت. وعلشان كده المكان ده بقىَ اسمه سكوت (ومعناه الْمظلات).

ومن هناك رحل لحد ما كمل رحلته من بلاد آرام ما بين النهرين ووصل بسلام لأرض الكنعانين، ونصب خيامه عند أطراف مدينة شكيم (الي اسمها الأن مدينة نابلس). وبعدين أشترى من اولاد حَمُور أبو شكيم قطعة أرض نصب عليها خيامه بمئة قطعة من الفضة. وبنى هناك مكان لتقديم القرابين لله، وسماه مكان عبادة الإله رب يعقوب.

34

دينة بنت النبي يعقوب

وفي يوم خرجت دينة بنت النبي يعقوب من زوجته ليئة علشان تزور بنات من جيرانها في المنطقة. فشافها شكيم بن حمور، ابن كبير المنطقة الي سكنوها، فاخدها غصب عنها، لكنه حبها فخلاها عنده. وبعدين راح شكيم لأبوه وقال له: «اخطب لي البنت دي أنا عايز أتجوزها». ولما عرف النبي يعقوب أن شكيم اعتدَى علَى بنته دينة. استنى لحد ما يرجع ولاده الي كانوا وقتها في الحقول بيرعو الغنم.

وراح حَمور وأبنه شكيم للنبي يعقوب علشان يخطبوا بنته دينة. ولما رجع ولاد النبي يعقوب من المرعىَ وعرفوا اللي حصل مع أختهم، ثاروا وتملكهم الغضب لأن شكيم ارتكب كبيرة من الكبائر في حق اهل بيت النبي يعقوب لما اعتدى على أختهم. فقالهم حمور: «ابني شكيم لما شاف بنتكم حبها واتعلق بها، وأنا باطلبها منكم علشان أبني يتجوزها. ويبقىَ فيه نسب بينا، نتجوز من بناتكم وتتجوزوا من بناتنا. واسكنوا بينا. والأرض اهه قدامكم واسعة ، فتملكو منها وتاجروا فيها زي ما أنتم عايزين». بعدها اتكلم شكيم وقال لهم: «ياريت ترضوا تجوزوهالي، وكل اللي تطلبوه مني أعمله علشان خاطرها. اطلبوا هدايا ومهر زي ما أنتم عايزين، لكن جوزوني بنتكم». فَرد ولاد النبي يعقوب عليهم بمكر، لأن شكيم اعتدىَ على دينة أختهم. وقالوا لشكيم: «لكن أنت رجل مش مختون وده عار كبير عَندنا، ومانقدرش نجوز اختنا لواحد مش مختون زينا. على شرط أنكم تختنوا ذكوركم زينا. ساعتها ممكن نقبَل طلبكم وتتجوز اختنا. وساعتها يبقى فيه نسب بينا، تتجوزوا من بناتنا ونتجوز من بناتكم، ونبقىَ شعب واحد ونسكن كمان بينكم. ولو رفضتم تعملوا زي ما قلنا لكم، نأخذ بنتنا ونرحل من أرضكم». فرضَى حَمور وابنه شكيم بكلامهم. وكان شكيم أكرم جميع بيت أبوه، وكان قلبه متعلق بدينة بنتهم فوافق على تنفيذ طلبهم.

فراح حمور وٱبنه شكيم عند باب المدينة مكان ما بيكون قادة المدينة متجمعين، وعرضوا عليهم الموضوع وقالوا: «يعقوب وجماعته ناس طيبيين ومُسالمين، يكون أحسن لو سكنوا بينا، وأرضنا اهه واسعة يتاجروا فيها. هنتجوز من بناتهم، وهم يتجوزوا من بناتنا. لكنهم مش هيناسبونا ولا يسكنوا معانا إلا على شرط أننا نختن زيهم كل ذكورنا. لو عملنا كده، بمرور الزمن تتنقل لنا كمان أملاكهم، فعلشان يسكنوا بينا ، احسن لنا لو نوافق علَى شروطهم .» فاستجاب لكلام حمور وشكيم كل الي كانوا عند باب المدينة مجتمعين، واختتن كل الذكور اللي كانوا في المدينة ساكنين.

وبعد ثلاث أيام، لما كان رجال المدينة وكل ذكورها متوجعين من ألم الختان ، أخذ ولاد النبي يعقوب شمعون ولاوي اشقاء دينة سيوفهم، وهجموا على المدينة واهلها غافلين وقتلوا كل الرجالة الي فيها، وقتلوا كمان حَمور وابنه شكيم بحد السيف، واخذوا دينة من بيت شكيم وراحوا خارجين. ولما عرف بقية ولاد النبي يعقوب أن شمعون ولاوي راحوا علشان ينتقموا لأختهم، انتهزوا الفرصة وراحوا ونهبوا المدينة والحقول، وآسروا نسائهم وأطفالهم، واستولوا على كل شيء حتى على مواشيهم وأغنامهم.

ولما عرف النبي يعقوب اللي عمله شمعون ولاوي قالهم: «جلبتم عليَّ البؤس والشقاء واسأتم لسمعتي عند أهل البلاد من ٱلكنعانيين وٱلفرزيين بفعلكم المُشِين، احنا جماعة صغيرة ولو اجتمعوا علينا يقتلوني ويهلكوا أهل بيتي اجمعين». فقال شمعون ولاوي: «وأنت ترضا لنا أنهم يعتدوا على أختنا ومانكونش غضبانين؟».

35

النبي يعقوب يعود إلى أرض كنعان

بعدها أوحىَ الله للنبي يعقوب: «قوم وارحل على بيت إيل واسكن هناك. في نفس المكان الي أوحيت لك فيه لما كنتَ هربان من عيسو أخوك، وإكرامًا لإسمي تبني لي هناك مكان لتقديم الآضاحي.» فجمع النبي يعقوب أهل بيته وكل جماعته وقال لهم: «أبعدوا عنكم أي أوثان تكون عندكم، واجمعوها علشان نتخلص منها، وطهروا نفسكم وغيروا ملابسكم. وقوموا علشان نرحل من هنا ونروح على بيت إيل، وهناك أنا هبني مكان مخصص لله اللي مكان ما رحت كان في رفقتي، واستجاب برحمته لدعوتي وقت محنتي». فحطوا قدام النبي يعقوب كل الأوثان الي كانت عندهم وحلقان الأوثان الي كانت في ودانهم. فأخذهم النبي يعقوب وتحت شجرة بلوط ناحية شكيم دفنهم. وبعدين بدأ النبي يعقوب وجماعته رحلتهم. ونزّل ربنا الخوف في قلوب الساكنين في المدن الي كانت حوليهم، فلا طاردوهم ولا سعوا وراهم.

ووصل النبي يعقوب وجماعته لبلدة لوز الي كان سماها النبي يعقوب بيت إيل، لما كان هربان من أخوة عيسو وتجلي له وحي الله هناك في أرض الكنعانيين. وبنى النبي يعقوب مكان يقدم لله عليه الآضاحي. وهناك اتوفت دبورة مرضعة رفقة أم النبي يعقوب، فدفنوها تحت شجرة بلوط بالقرب من بيت إيل، وسموها بلوطة الأنين. ولما كان النبي يعقوب في طريقة راجع من أرض ما بين النهرين، أوحي له الله تعالى، زي ما سبق واوحى له في محنايم لما كان هربان من عيسو أخوه، وباركه وقال له: «أسمك مش هيكون يعقوب، لكن أسمك هيكون إِسرائيل. أنا هو الله القدير والأرض الي وهبتها لأبوك إسحاق وجدك إبراهيم، اوهبها لك ونسلك يورثها من بعدك. وأكثر نسلك زي رمل البحر، ومن نسلك تخرج أمم كثير وملوك.» بعدها عرج الوحي للسماء. فنصب النبي يعقوب حجر، وصب الزيت عليه ومسحه، وسمى المكان ده بيت إيل وخلاه مكان مخصص لعبادة الله.

وفاة راحيل زوجة النبي يعقوب

وخرج النبي يعقوب مع جماعته من بيت إيل في إتجاه قرية بيت لحم في منطقة أفراتة، ولما كانوا في الطريق جت ساعة ولادة راحيل زوجة النبي يعقوب المحببة واتعسرت ولادتها. ولما أشتدت عليها ألام ولادتها، بشرتها المُوَلّدَه وقالت لها: «ما تخافيش، ربنا رزقك بولد تاني.» لكن راحيل متحملتش وقبل ما تموت سمت الطفل بن أُوني (الي معناه: ابن تعاستي)، لكن النبي يعقوب سماه بن يمين (الي معناه: ابن يميني). واتوفت راحيل بعد ما ولدت ثاني أولادها، ودفنوها في منطقة أفراتة القريبة من بيت لحم. فنصب النبي يعقوب عمود فوق قبرها، وهو المعروف لحد النهارده بأسم عمود قبر راحيل، علشان يكون تذكار لها. بعدها أستمر النبي يعقوب في رحلته، وبعد ما عدىَ منطقة برج عدر نصب خيامه. ولما كان النبي يعقوب وأهله لسه في المنطقة موجودين، حصل أن رأوبين بكر النبي يعقوب من زوجته ليئة راح وفعل الفاحشة مع بلهة مملوكة أبوه. فعرف النبي يعقوب باللي عمله رأوبين. فغضب النبي يعقوب عليه، وبعدها حرم رأوبين من حق البكورية.

وكان للنبي يعقوب اثناشر ابن، وهم المعروفين بأسباط بني إسرائيل، وهم: أولاد النبي يعقوب من ليئة بنت خاله لابان: رأوبين بكر يعقوب، وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون. وابنين من راحيل أخت ليئة الصغيرة وهم: يوسف وبنيامين. وابنين من بلهة، خادمة راحيل، وهم دان ونفتالي. وابنين من زلفة، خادمة ليئة، وهم جاد وأشير. كل دول ولاد النبي يعقوب الي رزقه بهم ربنا في بلاد أرض ما بين النهرين.

وتم النبي يعقوب رحلته لما رجع لأبوه إسحاق في ممرا، في حبرون الخليل، مطرح ما كان أباؤه إبراهيم وإسحاق متغربين. ولما اتوفىَ النبي إسحاق كان بلغ من العمر مئة وثمانين سنة. وبحُسن الخاتمة لحق النبي إسحاق بسلفه الصالحين. ودفنه اولاده عيسو ويعقوب.

36

أولاد عيسو بن النبي إسحاق

ده سجلّ ذرية عيسو بن النبي إسحاق، والمعروف باسم أدوم. اتجوز عيسو أبن النبي إسحاق ٢ من بنات كنعان: واحدة أسمها عدة بنت أيلون الحِثي، وخلفت له عدة ولد سمّته أليفاز، ومنه خرج سبعة رؤساء قبائل. بعدها اتجوز أَهوليبامَة بنت عَنة وحفيدة صبعون الحوي. وخلفت له أَهوليبامَة يَعوش ويَعلام وقورَح وهم رؤساء قبائلهم. وبعدها اتجوز عيسو عليهم بَسمَة أخت نَبايوت بنت عمه إسماعيل. وخلفت له بسمة ولد سمّته رَعوئيل ومن نسله خرج أربع رؤساء قبائل. ودول كانوا أبناء عيسو اللي اتولدو في أرض كنعان.

بعدها أخذ عيسو زوجاته وأولاده وبناته وجميع أهل بيته وأغنامه، وكلّ املاكه في أرض كنعان، ورحل لمنطقة تانية بعيد عن أخوه يعقوب. لأنّ الأرض الّي كانو عايشين فيها ضاقت عليهم من كثرة مواشيهم وأغنامهم. فعاش عيسو في منطقة سَعير الجبلية جنوب شرق البحر الميت الّي اتسمّت بعد كده أدوم. في البداية عاش نسل عيسو أبن النبي إسحاق رؤساء على قبائلهم، وبعدها بقو ملوك حكموا فِي أرْض أدوم قبل ما يبقى فيه ملوك على بني إسرائيل، ودي أسمائهم: بالع بن بعور، ويوباب بن زارح، وحوشام، وهداد بن بداد الّلي هزم مديان في بلاد موآب جنوب أرض عُمان، وسملة، وشاول، وبعل حانان بن عكبور، واخرهم كان اسمه هدار.